الخميس، 8 أغسطس 2013

7- الامام علي بن أبي طالب \ مؤامرة المسلمين على النبي



الفصل السابع من كتاب مؤامرة المسلمين على النبي محمد(ص)
الامام علي بن أبي طالب ,
 فهرس الفصل:
مقدمة, دور علي في الحروب, علي واليهود, الفرار من علي بكشف العورة, أيام خلافة الامام القصيرة, التحضير لحرب الامام, خبر عائشة, معركة الجمل سنة 36 هجرية, معركة صفين 37 هجرية, من مناقب الامام وفضائله , ولادته في الكعبة, دور الباغضين في طمس منقبة ولادته في الكعبة, حديث المنزلة, آية التطهير وحديث الكساء, حديث السفينة, قصلة المباهلة, حديث الثقلين, الرد على الحديث المحرف (عليكم بكتاب الله وسنتي..), حديث الولاية والخلافة, احتجاج الامام بحديث الغدير, القرآن ينص على ولاية علي, علي وزير النبي (ص), هل أتى على الانسان حين من الدهر, دور المحرفين في تجريد الالقاب الربانية عن الامام والصاقها بالاخرين, لقب الصديق , لقب الفاروق , لقب أمير المؤمنين, دور المسلمين المحرفين في طمس ذكر علي في القرآن الكريم ودورهم في تشويه صورته, صبر الامام على ضياع الخلافة وزهده فيها, علم الامام, علي ميزان الحق بين الايمان والكفر, مقتل الامام, ملحق الفصل أبو طالب المفترى عليه.




-7-الامام علي بن أبي طالب


بعد مقتل عثمان بن عفان هرع الناس الى علي بن أبي طالب يطلبون منه الاخذ بزمام الأمور, وعلم الناس بعد فوات الاوان أن عليا هو الرجل المناسب للحكم , وفاتهم أن النبي قد أوصى به في أكثر من موضع وانزلت أيات في ذلك ولكن للناس الخيار بين الهدى والضلالة ! في خطبته الشقشقية  يتحدث علي ع عن خلافة عثمان وخلافته  فيقول :( إلى أن قام ثالث القوم (يقصد عثمان) نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه, وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الابل نبتة الربيع ( يعني بني أمية ومروان بن الحكم ونهبهم لمال المسلمين في عهد عثمان) إلى أن انتكث فتله وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته ( وهي حالة عثمان عند مقتله حيث لقى جزاء مازرع) . فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلى ( دليل على كثرة الناس الذين مثلهم بشعر عرف الضبع الكثيف) ينثالون عليَّ من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان( من تدافع الناس عليه وزحامهم فأنهم دفعوا الحسن والحسين, وفي شرح الرواندي فإن الحسنان هما أصبعا القدم , أي أن الناس وطئوا أصابع قدمية من زحامهم ) , وشٌق عطفاي مجتمعين علي كربيضة الغنم ( شقوا ياقة ثوبه من تزاحمهم عليه) فلما نهضت بالأمر ( صرت الخليفة) نكثت طائفة ( وهم جماعة عائشة وطلحة والزبير فهم نكثوا الانتخاب وخانوه بعدما رضوا به وحاربوه في معركة الجمل) ومرقت أخرى ( حرب النهروان مع الخوارج) وقسط أخرون ( ويعني بهم معاوية بن أبي سفيان الأموي الذي حاربه في معركة صفين). ( عن نهج البلاغة, الخطبة الشقشقية).وسيأتي تفصيل معاني الخطبة في السطور القادمة.
 تولى علي الحكم عندما كان  قد مر على رحيل النبي ص  مايقارب ربع قرن من الزمان , واستحدث الخلفاء الثلاثة في ذلك الزمان احكاماً  مبتدعة لم يأت بها النبي محمد (ص) , وضاعت أحاديث نبوية , وخرجت تأويلات غريبة للقران . ونشأت طبقات غنية وطغت بفحش في عهد عثمان ويعني ذلك نشوء طبقات اجتماعية فقيرة مقابل ذلك . في ذلك الربع قرن استبد والي الشام آنذاك  معاوية بن أبي سفيان فصار له جيشه وولاته ووزراءه وكأنه يحكم دولة مستقلة عن باقي دولة الخلافة. ولم يأت ذلك الاستبداد وليد تلك الساعة  إنما كان تهيئة منذ أيام الخليفة الاول أبوبكر الذي ولى الشام يزيد بن سفيان, فلما هلك يزيد تولى الشام أخوه معاوية بن أبي سفيان بأمر من الخليفة الثاني عمر الذي تقدم ذكر دوره في تأسيسه الخفي لدولة بني أمية( راجع فصل عمرhttp://marwan1433.blogspot.ca/2013/07/5.html), فاستقر الامر بيد معاوية على بلاد الشام وازداد قوة  في عهد عثمان. فلما قُتل عثمان وصار علي بن أبي طالب الخليفة أستبد معاوية بالأمر وأظهر معارضته  فقد كان ينتظر ذلك اليوم ليعلن حقيقة مطامعه ,وليحقق أحلام بني أمية وقريش في التخلص من علي عليه السلام وأقامة دولة أمية.
 كانت الحصيلة بعد موت عثمان وبعد عهود الخلفاء الثلاثة الاوائل انحرافا لايمكن تعديله في سنين قليلة ,واذن كانت التركة ثقيلة على علي ع, والذي زاد من ثقلها هو بغض المنتفعين في عهد عثمان لعلي ع الذي سيسلبهم أملاكهم, وكان السبب الاخر لبغض علي هو حسدا لمكانته من النبي, وكذلك كرها له لمقتل رؤوس قريش وفرسانهم على يديه في الحروب, فقلما نجد مسلما معاصرا لعلي ع لم يفقد أبيه أو اخيه أو ابن عمه بسيف علي ع في أيام حروب قريش والعرب للدين الجديد. وقد قيل أن الايمان يمسح البغضاء ويصفي القلوب, ونقول أن الذاكرة تبقى شاخصة تذكر الناس بمقتل ذويهم الذي حاربوا الدعوة الاسلامية في أولها, وتوسوس نفوسهم في أعماقها الى الانتقام.
يروي ابن عباس حديثا وقع بين الخليفة الثالث عثمان وبين علي بن أبي طالب فيقول :( وقع بين عثمان وعلي كلام ، فقال عثمان : ما أصنع إن كانت قريش لا تحبكم ، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين كأن وجوههم شنوف الذهب )(شرح النهج لابن أبي الحديد  ج9 ص22). لقد أفصح عثمان عن ما في قلبه وعن ما في قلوب قريش في علي , ولكن ان ما حصل لم يكن الا في سبيل الحق وفي سبيل أعلان كلمة الدين , ذلك الدين الذي لم يقبله العرب لعنادهم وعنجهيتهم ,فلم يكن الا السيف دواء لتلك القلوب المريضة والنفوس العنيدة.

دور علي في الحروب
 كان سيف أمير المؤمنين علي دعامة كبيرة من دعائم قيام هذا الدين , ولبلاء سيف علي ع في رؤوس الكفر نصيب كبير فاق أحيانا نصيب باقي فرسان المسلمين مجمتعين ! يقول شارح النهج عن دور علي في معركة بدر مايلي:
(  وقد عرفت أن أعظم غزاة غزاها رسول الله  وأشدها نكاية في المشركين بدر الكبرى ، قُتل فيها سبعون من المشركين ، قتل علي نصفهم وقتل المسلمون والملائكة النصف الآخر . وإذا رجعت إلى مغازي محمد بن عمر الواقدي وتاريخ الاشراف ليحيى بن جابر البلاذري وغيرهما علمت صحة ذلك ، دع من قتله في غيرها كأحد والخندق وغيرهما) ( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص 24). فتأمل هذا البلاء في معركة واحدة , وتروي الروايات أن قريش سمت علياُ بعد معركة بدر بالموت الاحمر.
كانت أول ضربة سيف في معركة بدر الكبرى من يد الامام علي بن أبي طالب  حيث خرج للبراز في المعركة مع عمه حمزة بن عبد المطلب وثالثهما عبيدة بن الحرث بن عم النبي الكريم ليواجهوا عتاة قريش الثلاثة عتبة وشيبة والوليد, فكان ضربة علي في الوليد هي أول ضربة سيف في معارك المسلمين. وتروي الروايات فتذكر ضخامة الوليد وقوته فهو كان أطول من علي بذراع كما يروى فيروى عن ابن عباس  :(فأقبل الوليديشتدّ إلى عليّ قد تنوّروتخلّق عليه خاتم من ذهب بيده السيف. قال عليّ: قد طلّ عليّ في طوله نحواً من ذراع، فختلته حتى ضربت يده التي فيها السيف، فبدرت يده وبدر السيف حتّى نظرت إلى بصيص الذهب في البطحاء، وصاح صيحة أسمع أهل العسكرين، فذهب مولّي نحو أبيه ، وشدّ عليه عليّ  فضرب فخذه فسقط، وقام عليّ وقال:
أنا ابن ذي الحوضين عبد المطلب
لهاشم المطعم في العام السغب
أوفي بميثاقي وأحمي عن حسب

ثم ضربه فقطع فخذه. قال ففي ذلك تقول هند بنت عتبة:
أبي وعمي وشقيقي بكري
 أخي الذي كانوا كضوء البدر
بهم كسرت يا عليّ ظهري
 ( ونقول أما أبيها فهو عتبة, وعمها فهو شيبة, وأخيها هو الوليد بن عتبة المذكور أعلاه وقاتله علي , وعلي شرك مع حمزة عمه في قتل عتبة ( أبيها) ,وشرك كذلك في قتل عمها شيبة وكل ذلك في موقف واحد في بداية معركة بدر , فتأمل)
ثمّ تقدّم شيبة بن ربيعة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب فالتقيا، فضربه شيبة فرمى رجله، وضربه عبيدة فأسرع السيف فيه فأقطعه، فسقطا جميعاً.
وتقدّم حمزة وعتبة فتكادما الموت طويلاً، وعليّ قائم على الوليد والناس ينظرون، فصاح رجل من الانصار: ياعليّ ما ترى الكلب قد أبهر عمّك، فلمّا أن سمعها أقبل يشتدّ نحو عتبة، فحانت من عتبة التفاتة إلى عليّ فرآه وقد أقبل نحوه يشتدّ، فاغتنم عتبة حداثة سن عليّ، فأقبل نحوه، فلحقه حمزة قبل أن يصل إلى عليّ فضربه في حبل العاتق، فضربه عليّ فأجهز عليه.) ( النص برواية ابن عباس عن كتاب تأويل مانزل في القرآن , سورة الانبياء ص 160, للعلامة ابن الحجام المتوفى سنة 328 هجرية, ووردت الرواية بألفاظ اخرى في  مصادر التاريخ ).
وكذلك كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في معركة أحد مع قريش, روى ابن أبي الحديد :
(فجميع من قتل من المشركين يوم أحد ثمانية وعشرون ، قتل علي منهم - ما اتفق عليه وما اختلف فيه - اثنى عشر ، وهو إلى جمله القتلى كعدة من قتل يوم بدر إلى جملة القتلى يومئذ ، وهو قريب من النصف).(شرح النهج ج1 ص 54).  تذكر مامر بنا في دور الخلفاء الثلاثة في معارك المسلمين وقارنه مع دور المرتضى علي ,وزد عجبا.
يروي ابن الاثير في موقعة أحد:
(ولمَّا التحمت المعركة تقدَّم طلحة بن أبي طلحة ـ وكان يدعى كبش الكتيبة ـ وصاح : من يبارز؛ فخرج إليه عليٌّ ، وبرزا بين الصفَّين  فضربه علي  ضربة فلق فيها هامته ، فبدرت عيناه وصاح صيحة لم يُسمع مثلها ، وسقط اللواء من يده ، ووقع يخور في دمه كالثور ، وقيل : ضربه فقطع رجله ، فسقط وانكشفت عورته ، فناشده الله والرحم فتركه) ( باختصار عن الكامل لابن الاثير ج 2 ص 47 باب معركة أحد). وتقدَّم بعده أخوه عُثمان بن أبي طلحة ، فحمل عليه حمزة بن عبدالمطَّلب ، فضربه بسيفه ضربةً كانت بها نهايته ، ورجع عنه يقول : أنا ابن ساقي الحجيج ,وأخذ اللواء بعدهما أخوهما أبو سعيد بن أبي طلحة ، فحمل عليه عليٌّ  فقتله ، ثُمَّ أخذ اللواء أرطأة بن شرحبيل ، فقتله عليٌّ  أيضاً ، وأخذ اللواء بعد ذلك غلام لبني عبدالدار ، فقتله عليُّ . و يروي الشيخ المفيد فيقول (أنَّ أصحاب اللواء كانوا تسعة ، قتلهم عليُّ بن أبي طالب عن آخرهم ، وانهزم القوم) (  الارشاد للشيخ للمفيد ج1 ص 88). وكانت هند بنت عتبة أم معاوية وزوجة أبي سفيان قد وعدت عبداً لها وأسمه وحشي بالحرية وبما تشتهيه نفسه وبمال كثير إن أستطاع قتل النبي محمد أو قتل علي أو حمزة عم النبي, وفي معركة أحد يفي العبد  بوعده لهند فيعجز عن الوصول لمحمد (ص) , فيطارد علياُ بن أبي طالب ليقتله فيعجز عنه كذلك, وتذكر الروايات أن وحشي قال : أما علي فقد رأيته كثير الالتفات . فينكص عنه ليقتل حمزة رضي الله عنه وهو عم النبي (ص).
وفي غزوة الاحزاب التي قادها أبو سفيان الأموي وهو أبو معاوية وزوج هند, ضربت قريش ومن معها من حلفائها حصاراً على المسلمين في المدينة لأكثر من خمسة عشر يوماً , وتحصن المسلمون وراء الخندق وذكرت سورة الاحزاب في القران  تلك الايام العصيبة للمسلمين المحاصرين, ودام الحصار أكثر من عشرين يوماً وضج المنافقون والمحبطون, وكان يهود المدينة يتحينون انكسار المسلمين للاجهاز عليهم . وقال حذيفة بن اليمان: ( إن الناس تفرقوا عن رسول الله ليلة الاحزاب , فلم يبق معه إلا أثنا عشر رجلاً) ( المستدرك على الصحيحين للحاكم ج3 ص31)
 ولما عجز المشركون عن قتال المسلمين الذين تحصنوا بالخندق خرج منهم  أبطال قريش وفرسانهم وهم عبد بن ود ,وضرار بن الخطاب ,وهبيرة بن أبي وهب وعكرمة بن أبي جهل ونوفل بن عبد الله وقد تلبسوا للقتال فيقتحمون الخندق من مكان ضيق فيه ويدعون المسلمين للمبارزة , ويطلب عمرو بن ود من المسلمين من يبارزه لحسم أمر المعركة ثم ينشد قائلا:
 و لقــد بححت من النداء بجمعكم هل مـن مبــارز
و وقفت إذ جبن المشجع موقف البطــل المناجـــز
إن السماحــة و الشجـــا عة في الفتى خير الغرائز

 ولشهرة عمرو بن ود في القتال  لا يقوم  من المسلمين أحد,  فيخرج علي بن أبي طالب  اليه مهرولا وهو يقول:
لا تعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز
 ذو نية وبصيرة والصدق منجى كل فايز
 اني لارجو أن اقيم عليك نائحة الجنايز
 من ضربة نجلاء يبقى صوتها بعد الهزاهز


فيرفع النبي (ص) يداه الى السماء  ويدعو بهذا الدعاء : ( اللهم إنك أخذت مني عبيدة يوم بدر , وحمزة يوم أحد , فأحفظ علي اليوم علياً , رب لاتذرني فردا وأنت خير الوارثين) ( نص الدعاء عن شرح نهج البلاغة ).
قبل المبارزة يدور حديثاً بين علي ع وبين المتحدي عمرو بن ود فارس قريش فيدعوه علي الى الاسلام ويقول له : وأنا أعرض عليك ثلاث خصال فأجبني إلى واحدة قال: هات يا علي ! قال: أحدها تشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله، قال: نح عني هذه ,فاسأل الثانية، فقال أن ترجع وترد هذا الجيش عن رسول الله  فان يك صادقا فانتم أعلى به عينا, وان يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره، فيرفض عمرو ذلك وينازل علي الى المبارزة فيقتله علي ويعود الى صفوف المسلمين وهو يقول:
أنا علي وابن عبدالمطلب * الموت خير للفتى من الهرب
فيبشره النبي (ص) قائلاَ: ( ابشر يا علي ، فلو وزن اليوم عملك بعمل امة محمد لرجح عملك بعملهم ، و ذلك انه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلا وقد دخله وهن بقتل عمرو ، ولم يبق بيت من بيوت المسلمين إلا و قد دخله عز بقتل عمرو ) ( بتصرف عن مجمع البيان للطبرسي ج7 ص 340).  تأمل دعوة الامام لعمرو بن ود في ساحة الموت , فهو يدعوه للاسلام قبل المبارزة , فهمه الاول هداية الناس فياله من سمو, وهكذا كان حاله في كل المعارك . بعد مقتل عمرو بن ود يفر الفرسان فيروي ابن هشام وغيره : والقى عكرمة بن أبي جهل رمحه يومئذٍ، وهو منهزم عن عمرو، فقال حسان بن ثابت في ذلك:
فر والقى لنا رمحه                            لعلك عكرم لم تفعل
ووليت تعدو كعدو الظليم                     ما إن تجور عن المعدل
(  الابيات ورواية هرب عكرمة بعد رؤيته مقتل عبد بن ود على يد أسد الله علي منقولة باختصار عن كتاب الصحيح من السيرة للمحقق العلامة مرتضى العاملي, و كذلك عن سيرة ابن هشام ).
لقد كانت قتلة الفارس عبد بن ود على يد علي بن أبي طالب سبباً في انسحاب قريش وباقي قبائل العرب التي كانت حازمة على افناء المسلمين وذبحهم, فسحقت  تلك الضربة القاصمة آمال قريش بأستأصال المسلمين, وكانت قريش وقبائل العرب قد علمت  شدة علي بن أبي طالب وبأسه في الحروب التي حدثت قبل معركة الخندق وهي معركة بدر التي قتل علي فيها لوحده نصف ماقتل أصحابه مجتمعين وكذلك في معركة أحد, ولما رأت ماحدث لفارسها البطل عمرو بن ود رضخت للأمر الواقع وانسحبت قريش والاحزاب ونجا المسلمون من مذبحة  . لذلك قال المصطفى محمد (ص) في ضربة علي لفارس قريش عمر بن ود ( ضربة علي يوم الخندق افضل من عبادة الثقلين) ( الحديث عن كتاب الصحيح من السيرة للمحقق مرتضى العاملي وقد أورد السيد العاملي بعض مصادر الحديث وهي: ( كتاب كنز العمال للمتقي الهندي ج 12 ص 219 , تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 13 ص 19,   كتاب مقتل الحسين للخوارزمي ص 45 , كتاب المستدرك  الحاكم ج 3 ص 32, كتاب المناقب للخوارزمي ص 58 ,ومناقب آل أبي طالب ج 3 ص 138 وشرح المواقف ج 8 ص 371 وفرائد السمطين ج 1 ص 256 وشواهد التنزيل ج 2 ص 14 ط سنة 1411 ه. و الغدير عن بعض من تقدم، وعن هداية المرتاب ص 148 والتفسير الكبير للرازي ج 32 ص 31 وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 2 ص 323 وحبيب السير ج 1 ص 362 وينابيع المودة ص 94 و 95 و 96 وسعد السعود ص 139 والطرائف ص 60 وكنز الفوائد للكراجكي ص 137 والسيرة الحلبية ج 2 ص 319 و 320 وشرح المقاصد للتفتازاني ج 5 ص 298 وفردوس الأخبار ج 3 ص 455 ونفحات اللاهوت ص 91 ومجمع البيان ج 8 ص 343 والبحار ج 41 ص 91 و 96 وج 20 ص 205 واحقاق الحق (الملحقات) ج 8 وج 6 ص 5 وج 16 ص 403 عن بعض من تقدم، وعن حياة الحيوان ط القاهرة ص 274 )
  ويعني النبي (ص)  بهذا الحديث أن الذي فعله علياً يعادل عبادة الانس والجن مجتمعين. فلو لم يتم قتل عمرو بن ود ذلك اليوم لأنتصرت قريش والاحزاب على المسلمين ولتم ذبح المسلمين في المدينة على يد قريش وأحزابها وعلى يد يهود المدينة, ولو تم ذلك لأنتهى الدين فكانت ضربة علي تلك هي التي أنجت المسلمين من الفناء, والله غالب على أمره.
كان الفارس القرشي الاخر الذي مع عمرو بن ود هو ضرار بن الخطاب, وهو فارس قرشي آخر ليس قريباً لعمر بن الخطاب وإن تشابه الاسمان .أمر النبي عمر بن الخطاب أن يبارز ضراراً فلما برز ضرار لعمر أنتزع عمر سهماً ليرمي ضرارا به فقال ضرار : ويحك أترميني في مبارزة, ثم يهرب عمر منه فيطارده ضرار, ولكن العجيب أن ضرارا لم يقتل عمر مع تمكنه من ذلك بل ضربه على رأسه تفكهاً وقال له أحفظها عني ياعمر! فأني آليت أن لا أقتل قرشياً! وتركه ومضى , وقد تقدم ذكر الرواية  في فصل (عمر), فتأمل الفرق بين الموقفين ولا تعجب! وتأمل حكمة النبي الكريم في أمره عمراً لمبارزة ضرار بن الخطاب, فهو يعلم عليه السلام ما سيؤول له عمر ويعلم أنه سيهرب جبناُ , فكأن النبي أراد أن يبين للناس الفرق بين علي وقتله لابن ود العامري, وبين عمر بن الخطاب وهربه.
 ان بطلا كعلي يقتل نصف مايقتل المسلمين في معركة واحدة وهي معركة بدر وكذلك في موقعة أحد كفيل بأن يجعل رؤوس الكفر والنفاق يبغضونه. ومن الذين قتلهم علي بن أبي طالب حنظلة أخو معاوية بن أبي سفيان مؤسس دولة بني أمية, وقتل كذلك أو اشترك مع عم الرسول حمزة في قتل خال معاوية وقتل كذلك جد معاوية لأمه هند, و قتل أخو جد معاوية أي عم أمه هند, فتأمل. وقد جمع هؤلاء معاوية في قصيدة  له أرسلها لأبيه أبي سفيان صخر بن حرب عندما أراد أبو سفيان دخول الاسلام قبل فتح مكة, فكتب اليه ابنه معاوية  يذكره  بالذين قتلهم علي بن أبي طالب, و كان معاوية حينذاك في سنين مراهقته  في اليمن ولذلك كتب الرسالة لأبيه في مكة, يقول معاوية حاثاً أبيه على عدم التسليم لمحمد وعدم نطق شهادة الاسلام:
يا صخر لا تسلمن يوما فتفضحنا * بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا
خالي وعمي وعم الأم ثالثهم * وحنظل الخير قد أهدى لنا الارقا
لا تركنن إلى أمر يكلفنا * والراقصات به في مكة الخرقا
فالموت أهون من قول العداة لقد * عاد ابن حرب عن العزى إذا فرق
نص القصيدة عن ( كتاب الغدير للعلامة الاميني ج10 ص 237, ومصادره تذكرة الخواص  ص 200 - 201، شرح النهج لابن أبي الحديد ج6 ص  288 ، جمهرة خطب العرب ج 2 ص 22). الابيات تبين  الضغينة والحقد الذي يحمله معاوية لعلي بن أبي طالب فكل الذين نعاهم معاوية في قصيدته قتلوا على يد علي بن أبي طالب. ويؤكد الامام علي بنفسه هذه الحقيقة في رسالة له لمعاوية بن هند المتمرد على خلافة علي فيذكره  ببلاءه في حروب الاسلام وقتله لجده وخاله وأخيه في معركة بدر حيث يقول  : (وعندي السيف الذي اعضضته بجدك وخالك وأخيك في مقام واحد ) ( نهج البلاغة , باب رسائل الامام علي ), ويعني بقوله في مقام واحد معركة بدر .
ومر بنا رثاء  هند بنت عتبة وهي أم معاوية لقتلاها في بدر حيث تقول معرضة بعلي بن أبي طالب قاتل أهلها :
 أبي وعمي وشقيق بكري
أخي الذي كانوا كضوء البدر
بهم كسرت ياعلي ظهري!
 أما أولاد عبد الملك بن مروان بن الحكم وهم ملوك بني أمية فقد وصل سيف علي الى عهدهم البعيد ذلك,  فبعد معركة أحد يقوم علي بن أبي طالب بقتل الجاسوس القرشي الكافر معاوية بن المغيرة بأمر الرسول محمد (ص) ومر بنا ذلك في فصل عثمان http://marwan1433.blogspot.ca/2013/07/6_26.html باب ( عثمان يأوي الجاسوس القرشي), وكان لمعاوية بن المغيرة هذا بنت اسمها عائشة تزوجها مروان بن الحكم فولدت له عبد الملك بن مروان, فأم عبد الملك بن مروان قتل علي أبوها, وعبد الملك بن مروان هو أبو ملوك بني أمية , فتأمل الى أي مدى وصل سيف أمير المؤمنين علي في قتله لرؤوس الكفر!
حرض معاوية على قتل علي في أكثر من موضع, ويكفي أنه خرج محارباً له في معركة صفين التي سيأتي ذكرها . كان معاوية يذكر أعوانه دائما بما فعل بهم علي بن أبي طالب فقد قال في مجلس له أثناء معركة صفين مايلي : (اجتمع عند معاوية الملأ من قومه ، فذكروا شجاعة علىّ وشجاعة الأشتر ، فقال عتبة بن أبى سفيان : إن كان الأشتر شجاعاً ، لكنّ عليّاً لا نظير له فى شجاعته وصولته وقوّته . قال معاوية : ما منّا أحد إلاّ وقد قتل علىّ أباه ، أو أخاه ، أو ولده ; قتل يوم بدر أباك يا وليد ، وقتل عمّك يا أبا الأعور يوم اُحد ، وقتل يابن طلحة الطلحات أباك يوم الجمل ، فإذا اجتمعتم عليه أدركتُم ثاركم منه ، وشفيتم صدوركم)( النص عن كتاب المناقب للخوارزمي ص 234), فتأمل تحريض معاوية لقتل علي للانتقام منه.
ونذكر القارئ أن تحريض معاوية على علي حدث ومعاوية مسلم , فنرجو أن لاتختلط الاحداث والأزمنة على القارئ الكريم,فأحداث حرب صفين  حدثت أثناء خلافة الامام علي أي بعد رحيل النبي (ص) بأكثر من ربع قرن من زمان.


علي واليهود
بقدر ما بغضت قريش علياً بغضه كذلك يهود الجزيرة , ومثلما قصم علي بن أبي طالب خياشيم فرسان قريش والعرب , فأنه فعل مثل ذلك مع يهود الجزيرة الذين كادوا المكائد للدين الجديد, وقد أنتخبنا شيئاً من بطولات امير المؤمنين في فتح مدينة خيبر اليهودية لنرى وقع سيفه البتار في أعداء الدين.
أجمعت كتب التاريخ على أن الذي كسر باب مدينة خيبر اليهودية هو علي بن أبي طالب. دام حصار المدينة اياما  لكن أمير المؤمنين لوحده كسر باب قلعتهم وتترس بالباب ودخل المسلمون من وراءه ليتم فتح خيبر . روى الحلبي : (وكان أعظم حصون خيبر القموص، وكان منيعاً حاصره المسلمون عشرين ليلة ثم فتحه الله على يد عليّ )( انسان العيون في سيرة الامين المأمون  لبرهان الدين الحلبي  ج3 باب خيبر, ويسمى الكتاب للاختصار بالسيرة الحلبية)
 ومن معجزات النبوة أن يعطي النبي (ص) الراية في اليوم الاول لأبي بكر  فيعود ويعجز عن التقدم, فيعطي النبي الراية في اليوم الذي بعده لعمر بن الخطاب  فيجبن عمر وينكص ويعود خائباً ثم يقول النبي : (لأعطين الراية غداً رجل يحبه الله ورسوله ) فيعرف الناس أن النبي (ص) يعني علياً بذلك وكان علي في ذلك اليوم يشتكي من عينيه لرمد أصابه, فيدعوه النبي ويتفل في عينيه فيشفى ببركة الله ودعاء النبي,  ويعطيه النبي (ص) عمامته فيخرج علي لتسقط خيبر على يديه. ذُكرت رواية فتح خيبر عند كل المؤرخين , ويروي الطبري فيقول (أعطى رسول الله (ص) اللواء عمر بن الخطاب، ونهض من نهض معه من الناس؛ فلقوا أهل خيبر؛ فانكشف عمر وأصحابه، فرجعوا إلى رسول الله (ص) , يجبنه أصحابه ويجبنهم، فقال رسول الله: لأعطين اللواء غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. فلما كان من الغد تطاول لها أبو بكر وعمر؛ فدعا عليا  وهو أرمد، فتفل في عينيه، وأعطاه اللواء؛ ونهض معه من الناس من نهض. قال: فلقي أهل خيبر؛ فإذا مرحب اليهودي فارس خيابر يرتجز ويقول:
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب
أطعن أحيانا وحينا أضرب ... إذا الليوث أقبلت تلهب
فأختلف هو وعلى ضربتين، فضربه على على هامته؛ حتى عض السيف منها بأضراسه ؛ وسمع أهل العسكر صوت ضربته ؛ فما تتام آخر الناس مع على  حتى فتح الله له ولهم.) ( تاريخ الطبري ج3 , باب خيبر. السيرة الحلبية , باب خيبر).
تأمل أنه مع التحفظ الشديد للمؤرخ الطبري  , فأنه لم يستطع أن يرفع كلمة في عمر وهي قوله ( يجبنه أصحابه ويجبنهم) فذكرها كما هي , وهذا يبين  أن صفة الجبن التي كانت في عمر بن الخطاب  يتفق عليها اغلب المؤرخين.  نتيجة الدس الأموي لنزع المناقب عن علي بن أبي طالب اختلف المؤرخون في مقتل مرحب فارس اليهود! لكنهم أجمعوا في النهاية أن قاتله هو علي بن أبي طالب ليس غيره, وكذلك أجمعوا أن علياً لوحده هو الذي كسر باب خيبر , وسيأتينا بيان ذلك بعد قليل, وتفصيل أكثر في فصل( دور اليهود) . لقد أعطى النبي (ص) الراية لابي بكر وعمر مع علمه بجبنهما وعدم بلاؤهما في الحروب ولذلك قلنا إن ذلك من معجزات النبوة , فالنبي (ص) أراد تذكير الناس بأن الاولى بالراية دائماُ هو علي بن أبي طالب وليس غيره, وقد فعل النبي (ص) مثل ذلك بعد فتح مكة عندما أمر أبابكر بأن يذهب الى قبائل العرب ليقرأ عليهم سورة براءة, ثم يأمر علياُ بن أبي طالب بلحاق أبا بكر ليأمره بالتخلي عن مهمته في تبليغ السورة , فيفعل ذلك علياُ ويجرد أبابكر من شرف التبليغ ليقوم علياً بنفسه بتبليغها , فيعود أبوبكر الى النبي (ص) حزيناُ ويسأله عن سبب ذلك فيقول النبي (ص) له , أن الله أمره بذلك! فتأمل مجد ذلك لعلي وشرفه الذي ناله بأمر الله تعالى , ولم يكن النبي ليغير رأيه بلا سبب ولكنه أراد أن يفقه الناس أن علياً هو الاول وهو خليفة النبي وهو المبلغ من بعده وليس غيره. ولم يكن النبي يعطي الراية لابي بكر أو عمر اعتباطاً , ورأينا مواقفهما في الحروب وجبنهما, لكنه أعطاها لهما يوم خيبر لأنه يعلم مسبقاُ  أنهما سيخيبان ويرجعان فاشلين ,فيُدرك الناس مقامهما ويقارنوهما بالامام علي بن ابي طالب فيعرفون الفرق الشاسع بينهما وبين الامام . لكن الناس نسوا ذلك بعد رحيل النبي وغرتهم الدنيا بأطماعها وغفلوا عن تلك الحكمة النبوية فمالوا مع أبي بكر وبايعوه خليفة وتركوا علياً  ع 
كما مر بنا في فصل السقيفة http://marwan1433.blogspot.ca/2013/07/blog-post_1145.html, والله غالب على أمره. 
نعود الى خيبر , روى الحلبي عن النبي (ص) قوله :(لأعطين الراية أي اللواء غدا رجلاً يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه، وليس بفارّ. وفي لفظ: كرار غير فرار، فدعا علياً  وهو أرمد فتفل في عينيه، ثم قال: خذ هذه الراية غامض بها حتى يفتح الله عليك)( السيرة الحلبية ج3 , باب فتح خيبر) ويستأنف المؤرخ فيقول :
(وكان أوّل من خرج منهم إليه الحارث أخو مرحب وكان معروفاً بالشجاعة، فانكشف المسلمون وثبت علي كرم الله وجهه فتضاربا، فقتله علي وانهزم اليهود إلى الحصن، ثم خرج إليه مرحب، فحمل مرحب عليه وضربه فطرح ترسه من يده، فتناول علي كرم الله وجهه باباً كان عند الحصن فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه الحصن، ثم ألقاه من يده: أي وراء ظهره ثمانين شبراً. و قال الراوي: فجهدت أنا وسبعة نفر على أن نقلب ذلك الباب فلم نقدر) (السيرة الحلبية ج3, باب خيبر)
ذهب بعض المؤرخين أن محمد بن مسلمة هو قاتل مرحب لكن الصحيح الذي أتفق عليه أكثر أهل السير أن قاتله هو علي بن أبي طالب , ونقول إن أقحام محمد بن مسلمة لم يكن الا
  محاولة من أعداء الامام لمحي منقبة من مناقبه والتقليل من دوره الكبير في فتح خيبر. قال الحلبي:
(وقيل القاتل له عليّ كرم الله وجهه، وبه جزم مسلم رحمه الله في صحيحه. قال بعضهم: والأخبار متواترة به. وقال ابن الأثير: الصحيح الذي عليه أهل السير والحديث أن علياً كرم الله وجهه قاتله. وفي  كتاب الاستيعاب في معرفة الاصحاب يقول المؤلف عبد البر: والصحيح الذي عليه أكثر أهل السير والحديث أن علياً قاتله. ويروى أن علياً  لما خرج إليه ارتجز بقوله.
أنا الذي سمتني أمي حيدره
ضرغام آجام وليث قسوره.

 وإلى ذلك يشير بعضهم، وقد أجاد بقوله:
وشادنٍ أبصرته مقبلاً
 فقلت من وجدي به مرحباً
قدّ فؤادي في الهوى قدة
قدّ عليّ في الوغى مرحبا
 ( السيرة الحلبية ,ج2 باب خيبر)
ثم يقتل علي الاخ الثالث لمرحب وهو ياسر , فيكون علي قد قتل أبطال خيبر الثلاثة في موقعة واحدة , كما كان قد  قتل أصحاب راية بني عبد الدار في معركة أحد حيث قتل حاملي الراية التسع واحداً تلو الاخر ,وقد مر بنا ذلك. وأراد بعض أصحاب السير أن يطعنوا في ذلك ويقللوا من شأن الامام علي  فقالوا أن قاتل الاخ الثالث هو الزبير بن العوام , لكن غيرهم قالوا غير ذلك, والمتتبع لسيرة الامام علي وبلاؤه في الحروب يقتنع أن قاتل الثلاثة هو الامام علي وما طعن البعض في ذلك إلا لأحقاد الجاهلية ودواعي العصبية . ثم يستأنف المؤرخ فيقول (وفتح الله ذلك الحصن الذي هو حصن ناعم، وهو أوّل حصن فتح من حصون النطاة على يد علي )( السيرة الحلبية , ج3 باب خيبر). تأمل محاولة المدلسين في أسقاط المناقب عن علي بن أبي طالب وجعلها في غيره في كتب التاريخ ,ولكن الحقيقة لايمكن اخفاءها الى الابد .
 في سيرته كلها لم ينكص علي  في البراز ولم يجبن وعلى ذلك يتفق المؤرخون, وترغم الحقائق أنوف المحرفين المدلسين, فعلي أسد الله الغالب لم يخرج في معركة الا وكان الظافر الغالب.ولم يستطع أعداءه تجنب ضرباته القاتلة الا بطريقة خسيسة وهي كشف عوراتهم أمامه ساعة المبارزة فكان علي التقي النقي يزيح نظره عن ذلك ويتركهم , وقد قيد المؤرخون حوادث ذلك .


الفرار من علي بكشف العورة
في معركة أحد خرج علي بن أبي طالب لمبارزة طلحة بن أبي طلحة, روى الواقدي : ( فالتقيا فبدره علي فضربه على رأسه , فمضى السيف حتى فلق هامته حتى أنتهى الى لحيته فوقع طلحة, وأنصرف علي , فقيل لعلي : ألا ذففت عليه ؟ قال : لما صُرع استقبلتني عورته فعطفني عليه الرحم, وقد علمت أن الله تبارك وتعالى سيقتله وهو كبش الكتيبة )( المغازي  الواقدي, باب معركة أحد) )( ذففت عليه تعني الاجهازعليه وقتله , فالامام تركه ولم يكمل قتلته لأنه أستقبله بعورته فتركه ومضى)
ويروي  ابن هشام بلفظ آخر :
( لما اشتد القتال يوم أحد جلس رسول الله تحت راية الأنصار، وأرسل إلى علي أن قدّم الراية، فقدم علي وهو يقول‏:‏ أنا أبو القصم. فناداه أبو سعد بن أبي طلحة وهو صاحب لواء المشركين‏:‏ هل لك يا أبا القصم في البراز من حاجة‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ فبرزا بين الصفين فاختلفا ضربتين، فضربه علي فصرعه، ثم انصرف ولم يجهز عليه‏.‏ فقال له بعض أصحابه‏:‏ أفلا أجهزت عليه‏؟‏ فقال‏:‏ إنه استقبلني بعورته، فعطفتني عليه الرحم، وعرفت أن الله قد قتله‏.‏.‏)(السيرة النبوية لابن هشام , باب معركة أحد). بعد هذه الوقعة عرف الناس أن علياً الطاهر النقي لاينظر الى عورة أحد ,فأستغل الجبناء هذه الخصلة فيه واستعملوها معه عند اللقاء ومنهم بسر بن ارطأة من معسكر معاوية , والاخر عمرو بن العاص .‏
ففي معركة صفين كان بسر بن أرطأة من قواد معاوية وعندما يواجه الامام علي في ساحة الحرب ويعرف أن نهايته محتومة يتعرى كاشفاً عورته فيرجع عنه الامام ويتركه وينجو بسر من الموت المحتوم . ( سيأتي ذكر بسر بن ارطأة في فصل ( أمية دولة الطلقاء) ).  وفعل مثل ذلك عمرو بن العاص حين حمل عليه علي في بعض أيام معركة صفين، ولما رأى عمرو بن العاص أنه لامفر من مبارزة الامام علي أبدى عورته فيزيح علي نظره عنه ويمضي ثم يقول (يا ابن النابغة ان طليق دبرك أيام عمرك) ( تذكرة خواص الامة لسبط ابن الجوزي ص107) .‏ فكان معاوية بن أبي سفيان بعد ذلك يتندر على عمرو بن العاص بما فعل,  وفي ذلك يقول الحارث بن النضر‏:‏
أفي كلِّ يومٍ فارس غير منتهِ * وعورته وسط العجاجة باديه
يكف لها عنه عليٌّ سنانه * ويضحك منها في الخلاء معاويه ( البداية والنهاية لابن كثير ج 4)
وقال الوليد بن عقبة بن أبي معيط
فسل عمرو وسل خصيته  نجا وقلبه منها وجيب
كأن القوم لما عاينوه خلال النقع ليس لهم قلوب
وقد نادى معاوية بن حرب فأسمعه ولكن ما يجيب ( الابيات عن تذكرة خواص الامة ص 107لسبط ابن الجوزي) وقوله : ( وقد نادى معاوية ) يعني به أن الامام علي نادى معاوية للبراز فجبن ولم يخرج ,
وكان عمرو بن العاص قد عير معاوية بتملصه من الخروج لمبارزة الامام علي , فصار هروب عمرو بكشف عورته فُسحة لمعاوية فقال معاوية في عمرو بن العاص تشفياً
ألا لله من هفوات عمـرو يعاتبني على تركي برازي
 فقد لاقى أبا حسن عليا فآب الوائلي مآب خازي
 فلو لم يبد عورته للاقى به ليثا يذلل كل غازي
له كف كأن براحتيها منايا القوم يخطف خطف باز
 فإن تكن المنية أخطأته فقد غنى بها أهل الحجاز
( الغدير للعلامة الاميني ج2 ص161 , ونقله عن:  صفين للمنقري ص216, شرح ابن أبي الحديد 2 ص 287 ، تاريخ ابن كثير 7 ص 263)
ويُذكّر الامام علي الناسَ في خطبة له في عمرو بن العاص,  فيقول فيه ساخراُ( فإذا كان عند الحرب فأي زاجر وآمر هو و مالم تأخذ السيوف مآخذها, فإذا كان ذلك , كان أكبر مكيدته أن يمنح القرم سُبَّته) . سبته يعني بها أسته (وهي  المؤخرة)( نهج البلاغة بشرح محمد عبدة , ج2 ص147).  وستأتي ترجمة عمرو بن العاص في فصل (أعداء النبي http://marwan1433.blogspot.ca/2013/09/12.html).
ننوه القارئ الكريم مرة أخرى أن معركة صفين حدثت بعد الاسلام في  ايام خلافة علي بن أبي طالب والذين حاربوه فيها هم معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشلة من الذين أظهروا الاسلام وأبطنوا حب الدنيا .
ما تقدم ذكره ليس إلا  نتفة من مناقب علي ع في الحروب ,ولايمكن جمع ما قام به الامام  في حروبه في سطور قليلة كهذه , فما ذُكر أعلاه غيض من فيض من روايات في قوة الامام وبأسه في الحروب ودوره الكبير في الرسالة , وإذا تذكرنا دور الخلفاء الثلاثة في الحروب وجبنهم وهربهم وتخفيهم فستتبين ضآلتهم أمام عظمة الامام ودوره, ولا  يفضل الضئيل على العظيم أو يساويهما معاً الا الحمقى والمغفلين.

أيام خلافة الامام القصيرة!
بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان يصف الامام علي الحالة التي مر بها المسلمين وما سيمرون به بعد ذلك في خطبة له , فيقول :
 ( ذمتي بما أقول رهينة وأنا به زعيم ، إن من صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات ، حجزته التقوى عن تقحم الشبهات . ألا وإن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيكم (ص)والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة ، ولتغربلن غربلة ، ولتساطن سوط القدر ، حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم ، وليسبقن سابقون كانوا قصروا ، وليقصرن سباقون كانوا سبقوا ! والله ما كتمت وشمة ، ولا كذبت كذبة ، ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم) .( مجموعة خطب الامام عن نهج البلاغة )
تأمل قوله ( وإن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث نبيكم ...) الذي يشير إلى التحريف في الدين ,وهي تركة ثقيلة من بلاء ماحصل قبله.
كان عمل الامام الاول هو تقسيم عطاء الناس بالتساوي ورد مظالم الناس  حيث يقول في خطبته الاستهلالية :( ... فأنتم عباد الله والمال مال الله، يقسم بينكم بالسوية، لا فضل لأحد على أحد، وللمتقين غداً أحسن الجزاء وفضل الثواب. وإذا كان غد ـ إن شاء الله ـ فاغدوا علينا، فإن عندنا مالاً نقسمه فيكم، ولا يتخلفن أحد منكم، عربي ولا عجمي، كان من أهل العطاء أو لم يكن...). ويقول كذلك مصلحا التحريف الذي حصل في عهد عثمان (ألا لا يقولن رجال منكم قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار وفجروا الأنهار وركبوا الخيول الفارهة، واتخذوا الوصائف الروقة فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً إذا منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعملون، فينقمون ذلك ويستنكرون ويقولون: حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا!!). تأمل قوله : ( اذا منعتهم ماكانوا يخوضون فيه وأصرتهم الى حقوقهم التي يعملون) . فهو يعني رد الحقوق والمظالم من الظلمة والمترفهين, ويقصد بهم الذين تخمت بطونهم في عهد عثمان.
لم يرى التاريخ عدلا كعدل الامام علي والروايات في ذلك لاتحصى , منها : ( أن أمرأتان أتتا عليا بن ابي طالب تسألانه ,الاولى عربية والثانية مولاة لها فأمر لكل واحد منها بكر من طعام وأربعين درهما أربعين درهما، فأخذت المولاة الذي أعطيت وذهبت، وقالت العربية يا أمير المؤمنين! تعطني مثل الذي أعطيت هذه وأنا عربية وهي مولاة؟ قال لها علي : إني نظرت في كتاب الله عز وجل فلم أر فيه فضلا لولد إسماعيل على ولد إسحاق )( سنن البيهقي ج6 ص349). فتأمل . إن العطاء أو مايطلق عليه في عهدنا الحالي راتب الدولة أو راتب الاعالة الاجتماعية لم يكن في عهد الخلفاء الثلاثة الاوائل كما صار في عهد علي بن أبي طالب, ومثال على ذلك فعل الخليفة الثاني عمر  فقد كان يُفرق بين الناس في العطاء الى حد أنه كان يعطي عائشة ابنة أبي بكر دخلا أكثر من غيرها من زوجات النبي , ولذلك قالت المرأة العربية لعلي : تعطني مثل الذي اعطيت هذه وأنا عربية وهي مولاة؟ فقولها يدل على تعود الناس في عهود الخلفاء الثلاثة الاوائل على عدم المساواة في العطاء, فكيف بين العرب وغيرهم.
إن سياسة العدل التي عمل بها الامام  كان وقعها كوقع السيف على رؤوس المتخمين والمرفهين, تلك الطبقة الغنية التي نشأت في عهد عثمان كما مر في فصل عثمان . فهل  سيستجيب ناهبوا أموال الامة لقول الامام  ؟ كلا , لم تطب لهم هذه الاوامر , بل طابت لهم أزمنة التحريف والتغيير وبالاخص في عهد عثمان. لذلك نرى أن الذي نقموا على عليا يعتزلونه في المسجد متباكين على عهدهم الذهبي الذي مر وانقضى.
ذكر المؤرخ ابن الاثير اسماء الذين امتنعوا عن بيعة الامام علي بن أبي طالب ومنهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام الذين بايعاه في بداية الامر ثم هربا من المدينة وأعلنا تمردهما على الامام علي وشكلا مع عائشة ارملة النبي جيشا لمحاربة الامام فكانت موقعة الجمل التي سيأتي ذكرها , قال ابن الاثير في طلحة الزبير
( قالا نبايعك وقالا بعد ذلك إنما فعلنا ذلك خشية على نفوسنا ,وعرفنا أنه لا يبايعنا وهربا إلي مكة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر وبايعه الناس ,وجاؤوا بسعد بن أبي وقاص فقال علي بايع فقال حتى يبايع الناس والله ما عليك مني بأس فقال خلوا سبيله , وجاؤوا بابن عمر فقالوا بايع قال لا حتى يبايع الناس قال ائتني بكفيل قال لا أري كفيلا قال الأشتر دعني أضرب عنقه قال علي دعوه أنا كفيله إنك ما علمت لسئ الخلق صغيرا وكبيرا , وبايعت الأنصار إلا نضرا يسيرا منهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك ومسلمة بن مخلد وأبو سعيد الخدري ومحمد بن مسلمة والنعمان بن بشير وزيد بن ثابت ورافع بن خديج وفضالة بن عبيد وكعب بن عجرة وكانوا عثمانية فأما حسان فكان شاعرا لا يبالي ما يصنع وأما زيد بن ثابت فولاه عثمان الديوان وبيت المال فلما حصر عثمان قال يا معشر الأنصار كونوا أنصار الله مرتين فقال له أبو أيوب ما تنصره إلا لأنه أكثر لك من العبدان وأما كعب بن مالك فاستعمله علي صدقة مزينة وترك له ما أخذ منهم ولم يبايعه عبد الله بن سلام وصهيب بن سنان وسلمة بن سلامة بن وقش وأسامة بن زيد وقدامة بن مظعون والمغيرة بن شعبة , فأما النعمان بن بشير فإنه أخذ أصابع نائلة امرأة عثمان التي قطعت وقميص عثمان الذي قتل فيه وهرب به فلحق بالشام فكان معاوية يعلق قميص عثمان وفيه الأصابع فإذا رأي ذلك أهل الشام ازدادوا غيظا وجدا في أمرهم) ( الكامل في التاريخ لابن الاثير ج3 ص 12, أو ج3 ص 82 في طبعة آخرى)
سأل الامام علي بعض الذين رفضوا مبايعته ومنهم محمد بن مسلمة وسعد بن ابي وقاص وعبد الله بن عمر ثم قال لهم ( انصرفوا فسيغني الله تعالى عنكم.) ( النص عن كتاب نصرة سيد العترة في حرب البصرة ص97 للشيخ المفيد المتوفى 413 هجرية , ونقله عن الجمل لأبي مخنف) . تأمل سماحة الامام وعدم أجباره الناس على بيعته .
 ستأتي سير من حياة هؤلاء في فصول قادمة ونرى سبب أمتناع هذا الرهط عن مبايعة الامام علي  , فبعضهم  أشترك في الهجوم على بيت فاطمة (راجع فصل السقيفة) , وبعضهم من اليهود المتأسلمين كمحمد بن مسلمة وزيد بن ثابت ( ذكرهم في فصل دور اليهود ) , وبعضهم وضيع الاصل منحط المنبت ( ذكرهم في فصل أعداء النبي وآله مجمع رذائل وأصحاب أصل وضيع). 

التحضير لحرب الامام علي 
  شكل طلحة بن عبيد الله التيمي والزبير بن العوام  نواة المعارضة لحكم علي , فتقويم الانحرافات في عهد حكم علي  قوض مصالحهم وحدد أملاكهم وجعلهم سواسية مع باقي الناس في مجتمع العدالة الجديد, فعندما أعاد الامام علي الاملاك الى بيت مال المسلمين اصبح الاغنياء من القوم مثل باقي المسلمين ,ونتيجة لذلك خرج طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام غاضبين من المدينة وقصدا مكة للتشاور مع عائشة أرملة النبي وابنة الخليفة الاول أبوبكر , وقبل خروجهما أتيا علي بن أبي طالب يسألانه مالا فقال لهما لا أملك سوى عين ماء في ينبُع ووعدهما بأن سيعطيهما مما تفئ عليه, فلم يرضيا وأرادا من مال بيت المال فرفض علي وقال : (سبحان الله وأي يد لي في بيت مال المسلمين؟ وأنا خازنهم أمين لهم، فإن شئتما رقيتما المنبر وسألتما ذلك من الناس ما شئتما فإن أذنوا فيه فعلت، وأنى لي بذلك وهو لكافة المسلمين شاهدهم وغائبهم؟)( نصرة سيد العترة في حرب البصرة للمفيد ص 146). تذكر أيها القارئ أموال طلحة والزبير التي تقدم ذكرها في فصل عثمان وقارنها مع ما هما فيه في عهد علي, وتذكر قوة المال وطغيانه على النفوس الضعيفة من بني أدم . لقد أصبح طلحة والزبير وغيرهما على غير ما كانوا عليه في عهد عثمان. لم يلبثا سوى قليلا حتى خرجا هاربين خائبين نحو مكة ,وعلم علي بن أبي طالب أنهما يبغيان الغدر, فحلفا له بأنهما يبغيان خيرا. ولما علم ابن عباس بذلك قال للامام علي: كان الاحسن سجنهما للتخلص من غدرهما ! فأجابه الامام علي : (يا ابن عباس أتأمرني أن أبدأ بالظلم و بالسيئة قبل الحسنة و أعاقب على الظنة و التهمة , أؤاخذ بالفعل قبل كونه , كلا و الله لا عدلت عما أخذ الله علي من الحكم بالعدل و لا القول بالفصل , يا ابن عباس إنني أذنت لهما و أعرف ما يكون منهما لكنني استظهرت بالله عليهما و الله لأقتلنهما و ليخيبن ظنهما ولا يلقيان من الأمر مناهما فإن الله يأخذهما بظلمهما لي و نكثهما بيعتي و بغيهما علي) ( النصرة لسيد العترة في حرب البصرة  للعلامة المفيد ص 166).
تأمل هذه العدالة الانسانية السامية في الحكم , فالامام لايأخذ المسئ حتى يقوم بالاساءة ,ولا يسجن ويعاقب على النوايا, فهو يسلك طريق النبي محمد (ص) , فلم يعاقب النبي (ص) أحدا على نيته ,ولم يقتل منافقا , بل ترك الناس ونواياهم, وهي حالة سامية لانجدها في كثير من المجتمعات والانظمة, بينما كان جزاء المعارض لبيعة أبي بكر وعمر القتل والنفي والمطاردة وقد تقدم ذكر ذلك. أما قوله عليه السلام ( والله لأقتلنهما وليخيبن ظنهما ) فهو إشارة على معرفة الامام المسبقة بغدرهما ,لكنه لم يبادر الى العقوبة بل أنتظر الفعل, وعرف من نبوءات النبي (ص) أن نهايتهما ستكون قتلاً !
إن الثروة الطائلة لطلحة وعند الزبير كما تقدم ذكرها في فصل عثمان نضب مصدرها في أيام حكم أمير المؤمنين, فلم يبقى لهما سوى استثمار ما خزنا من المال في معركة من أجل الاطاحة بخلافة  الامام علي الذي جردهما من الاستحواذ على مزيد من الاملاك, وبالفعل جمع طلحة والزبير مايقدران عليه من الاموال والسلاح وذهبا الى مكة بحجة العمرة ليلتقيا بعائشة- ارملة النبي (ص) وابنة الخليفة الاول أبوبكر-  التي كانت في انتظارهما وانتظار اموالهما لاشعال فتيل الحرب.
استعان الزبير بن العوام بزوج ابنته وهو يعلى بن منية ( المعارف لابن قتيبة الدينوري ص 276.  الاستيعاب لابن عبد البر ترجمة يعلى), ويعلى بن منية كان والياً على اليمن في عهد عمر وعثمان ( الاصابة للعسقلاني ج6 ترجمة يعلى بن منية). فلما قُتل عثمان نهب يعلى بن منية هذا بيت مال المسلمين في اليمن وأتى مكة بما نهب وجهز الزبير وطلحة وعائشة بأموال كثيرة واشترى الجمل التي ركبته عائشة في حرب الجمل تلك الحرب التي سميت على اسم الجمل واسم الجمل عسكر ( الاستيعاب لابن عبد البر , ترجمة يعلى. الكامل لابن الاثير ج2 ص 315, المعارف لابن قتيبة ص 276 ) . وذكر ابن الاثير وابن عبد البر أن الذي نهب بيت مال المسلمين في اليمن هو عبد الله بن ابي ربيعة , ولكن على قول أقدم مؤرخ وهو المدائني أن يعلى بن منية كان على الجند في اليمن ايام عثمان وكان على مدينة صنعاء, ونقول إن هذا لايغير شيئا انما يبين تحالف القوم على حرب الامام فأتى يعلى بن منية بأموال اليمن ومثله فعل عبد الله بن ابي ربيعة. روى ابن سعد : (أناخ يعلى بن منية بالحجون سبعين بعيرا يحمل عليها في طلب دم عثمان، وهو حمل عائشة على جمله عسكر. قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدّثني مسالم بن عبد الله عن أبيه عن جده قال: سمعت يعلى بن منية وهو مشتمل بالضبعية يقول: هذه عشرة آلاف دينار، وهي عين مالي، أقوي بها مَنْ طلب بدم عثمان رحمه الله. قال: فجعل يعطي الناس، واشترى أربعمائة بعير فأناخها بالبَطْحاء حمل عليها. فبلغ ذلك عليًا فقال: من أين له عشرة آلاف دينار؟ سرق اليمن. ثم جاء بها! والله لئن قدرت عليه لآخذن ما أقرّ به! فلما كان يوم الجمل، وانكشف الناس هرب يَعْلَى.) ( الطبقات لابن سعد , ترجمة يعلى) . وقال الذهبي في يعلى :(وكان ممن خرج مع عائشة ، وطلحة ، والزبير نوبة الجمل في الطلب بدم عثمان الشهيد ، فأنفق أموالا جزيلة في العسكر كما ينفق الملوك ، فلما هزموا ، هرب يعلى إلى مكة) ( سير اعلام النبلاء للذهبي) . ونقول أن يعلى بن منية كان من طلقاء مكة الذين اسلموا بعد الفتح وكرمه الذي يصفه الذهبي بقوله : (أنفق كما ينفق الملوك ) أنما جاءه من أموال المسلمين التي نهبها من اليمن , فتأمل تخريص كتبة البلاط في الذب عن الباطل .
استعان طلحة والزبير وعائشة كذلك  بوالي البصرة في عهد عثمان وهو عبد الله بن عامر بن كريز الذي هو ابن خالة عثمان وقد تقدم ذكره في (فصل عثمان), وتقدم ذكره نهبه لبيت مال المسلمين في البصرة بعد مقتل عثمان وفراره الى مكة . روى الطبري (فاجتمع رأيهم على أن يسيروا إلى البصرة وإلى الكوفة، فأعطاهم عبد الله بن عامر مالا كثيرا وإبلا، فخرجوا في سبعمائة رجل من أهل المدينة ومكة، ولحقهم الناس حتى كانوا ثلاثة آلاف رجل) ( تاريخ الطبري ج3 ص 24, حوادث ماقبل حرب الجمل) .
لقد تم تجهيز جيش بمال حرام وهي أموال المسلمين المسروقة لحرب الأمام ,  فكيف ستكون عاقبة ذلك ؟.

خبر عائشة
عائشة هي ابنة الخليفة الاول ابوبكر, وهي كذلك احدى زوجات النبي  محمد (ص).
كانت عائشة  من أول المحرضين على قتل الخليفة الثالث عثمان, وهي التي كانت قد لقبته بنعثل,  ونعثل لقب ليهودي كث الشعر وقيل نعثل هو الشيخ الاحمق, ( راجع فصل عثمان http://marwan1433.blogspot.ca/2013/07/6_26.html) . فرحت عائشة عند سماعها مقتل عثمان واستبشرت خيراً, فقد كان لعثمان يداً في موت أبيها الخليفة الاول أبوبكر, ومر بنا أن ابابكر مات مسموماً وعثمان كاتب وصيته عندما كان أبوبكر في غيبوبة الموت , ولما كانت عائشة هي ابنة الخليفة الاول فلاشك أنها عرفت بمؤامرة اغتيال ابيها وعرفت الذين كان له يدا في ذلك ومنهم عثمان , وهذا يبين  سببا واحدا من أسباب  سوء العلاقة بين عائشة وعثمان.  تبتهج عائشة فرحاً عندما أتاها خبر مقتل عثمان ,وعندما تسمع أن  الناس هرعوا الى الامام علي بن أبي طالب وصار هو الخليفة  يصيبها غم وحزن شديدان! فبعدعلمها بخلافة علي ع, قالت أنها حزينة على مقتل عثمان ومن الاجدر الاخذ بثاره, وقتل من كان سببا في موت عثمان ! فيا عجباً للتغير السريع في المزاج  وفقا للمصالح والاهواء.
روى التاريخ موقف عائشة عندما سمعت بمقتل عثمان :
(وكانت عائشة لما وصلت إلى مكة، وأدت مناسك الحج، ولما فرغت بلغها خبر قتل عثمان استبشرت وقالت للناعي: قتلته أعماله، إنه أحرق كتاب الله، وأمات سنة رسول الله فقتله الله، ومن بايع الناس؟ فقال الناعي: لم أبرح من المدينة حتى أخذ طلحة بن عبيد الله نعاجا لعثمان، وعمل مفاتيح لأبواب بيت المال ولا شك أن الناس بايعوه. فقالت عائشة ـ وهي فرحانة ـ : بعداً لنعثل وسحقاً! إيه ذا الأصبع! إيه أبا شبل! إيه ابن عم! لله أبوك يا طلحة، أما إنهم وجدوا طلحة لها كفواً، لكأني أنظر إلى إصبعه وهو يبايع أحنوها لا بل دغدغوها! وجدوك لها محسنا ولها كافيا، شدوا رحلي فقد قضيت عمرتي، لأتوجه إلى منزلي )( معركة الجمل  لضامن بن شدقم المدني ,, الطبقات لابن سعد, تاريخ الطبري , الكامل لابن الاثير) . إلى زمن  هذا الخبر كانت عائشة سعيدة وراضية بموت عثمان وبصعود نجم ابن عمها  طلحة بن عبيد الله, ولكن عندما يخبرها رجل من بني بكر بأن عليا بن ابي طالب صار الخليفة, وأن ابن عمها طلحة بن عبيد الله  بايع علياً للخلافة وأمام جمهور الناس, فانها تغير رأيها وتقول :
(فقالت : يا اخا بني بكر ، انت رأيت طلحة بايع عليا ؟ فقلت : إي والله ، رأيته بايعه ، وما قلت إلا ما رأيت ، طلحة والزبير أول من بايعه . فقالت : إنا لله ! أُكره والله الرجل ( تعني أن
ابن عمها طلحة بايع عليا بن ابي طالب مكرها وبالقوة) ، وغصب علي بن ابي طالب أمرهم وقتل خليفة الله مظلوما ! ردوا بغالي ، ردوا بغالي . فرجعت الى مكة!)(الجمل لضامن بن شدقم المدني,  تاريخ الطبري ,الكامل لابن الاثير, باب معركة الجمل)
وروى ابن الاثير : (فانصرفت (عائشة) الى مكة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوما ، والله لاطلبن بدمه ! فقال لها : ولم ؟ والله إن اول من أمال حرفه لأنت ، ولقد كنت تقولين : اقتلوا نعثلا فقد كفر!) ( الكامل في التاريخ لابن الاثير ج3 ص 256). بعد عودتها الى مكة أرسل لها طلحة والزبير كتابا من المدينة  قالا لها فيه: (خَذّلي الناس عن بيعة علي، وأظهري الطلب بدم عثمان)( معركة الجمل لضامن المدني, الامامة والسياسة للدينوري ج1)
وهكذا تشكلت نواة مقاومة لعلي بن أبي طالب من عائشة ابنة أبي بكر وابن عمها طلحة بن عبيد الله الطامع في الخلافة والزبير بن العوام, وخرج معهم جمع من اصحاب المصالح أيام عثمان أمثال مروان بن الحكم وساروا جميعا الى البصرة واعلنوا تمردهم على خلافة علي بن أبي طالب ,وحجتهم كانت المطالبة بدم عثمان بن عفان, وتقدم في (فصل عثمان) أنهم  أول الناس الذين حاربوا عثمانا وألبوا عليه القوم وبالذات طلحة بن عبيد الله التيمي ذلك الذي كان من أشد الناس على الخليفة.
قبل الخروج الى البصرة وكذلك في طريقهم اليها أرسل طلحة والزبير وعائشة كتبا الى الناس حثوهم  فيها على الوقوف بجانبهم لحرب الامام علي بن أبي طالب, وكانت حجتهم بذلك المطالبة بدم عثمان, فيا للعجب !  فيما يلي  بعض من رسائلهم:
 (عن الزهري قال: لما قدم طلحة والزبير البصرة، أتاهما عبد الله بن حكيم التميمي بكتب كتبها طلحة إليهم يؤلبهم فيها على عثمان، فقال له حكيم: أتعرف هذه الكتب ؟ قال: نعم. قال: فما حملك على التأليب عليه أمس والطلب بدمه اليوم ؟ فقال: لم أجد في أمر عثمان شيئا إلا التوبة والطلب بدمه.) ( انساب الاشراف للبلاذري , ج1 ص307). تأمل أن طلحة يقر بذنبه في التأليب على عثمان لكنه يسترجع فيقول أنه تائب عن ذلك ويطالب بدمه!  ظن طلحة أنه سيمحي من ذاكرة الناس شركه بدم عثمان ,فأدعى أنه يطالب بدمه ,لكن العهد لم يكن بعيدا  فلم  يكن مضى على مقتل عثمان إلا بضعة أشهر  حتى أدعى طلحة غير ذلك..
لم يستطع المبيضون لصفحات التاريخ أن ينكروا دور طلحة في قتل عثمان فهذا الذهبي أموي الهوى يقول:
(الذي كان من طلحة في حق عثمان تمغفل وتأليب، فعله باجتهاد، ثم تغير عند ما شاهد مصرع عثمان، فندم على ترك نصرته ، وكان طلحة أول من بايع عليا، أرهقه قتلة عثمان، وأحضروه حتى بايع) ( سير أعلام النبلاء للذهبي , ج1 ص34) . تأمل هذا المنطق  المزخرف بكلمات التوبة والاجتهاد وبكلمات ركيكة كقوله ( تمغمل وتأليب) ولكن ذلك لن يغير من الحقائق شيئا. الذهبي لايقول أن طلحة كان على خطأ بل يقول أنه أجتهد , ونقول أن الذين يدافعون عن موقف طلحة من الاولين والاخرين يجمعهم شئ واحد وهو بغض الامام علي بن أبي طالب, وسيتبين صدق ذلك ,فرويداً.
وكتبت عائشة كذلك كتباً أرسلتها الى من يهمه الامر لتأليب الناس على الامام ع , فكان جواب المخلصين لعلي جوابا قاطعا ذَكَّر عائشة بسوء فعلها وموقفها ! ومن تلك الكتب جواب السيدة أم سلمة زوجة النبي (ص) الى عائشة ردا على رسائلها  :
(من ام سلمة زوج النبي (ص) الى عائشة ام المؤمنين :
 سلام عليك ، فأني أحمد اليك الذي لا الله الا هو ، أما بعد : فإنك سدة بين رسول الله وبين امته ، وحجابك مضروب على حرمته ، قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه ، وسكن عقيراك فلا تصحريها ، الله من وراء هذه الامة ، لو علم رسول الله ان النساء يحتملن الجهاد عهد إليك ، علت علت ! بل نهاك عن الفرطة في البلاد ، ان عمود الدين لا يثاب بالنساء ان مال ، ولا يرأب بهن ان صدع ، حماديات النساء غض الاطراف وخفض الاصوات ، وخفر الاعراض ، وضم الذيول ، وقعر الوهازة ، وما كنت قائلة لرسول الله  لو عارضك ببعض الفلوات ناصة قلوصا من منهل الى منهل ، قد وجهت سدافته وتركتك عهداه ، ان بعين الله مهواك ، وعلى رسوله تردين ، واقسم بالله لو سرت مسيرك هذا ، ثم قيل لي : يا ام سلمة : ادخلي الفردوس ، لاستحييت ان القى محمدا (ص) هاتكة حجابا قد ضربه عليّ . اجعلي بيتك حصنك  ، وقاعة الستر قبرك ، حتى تلقيه وانت على تلك ، أطوع ما تكونين لله إذا الزمته ، وانصر ما تكونين للدين ما حللت فيه ، ولو ذكرتك قولا من رسول الله (ص) تعرفينه ، لنهشت به نهش الرقشاء المطرقة ، والسلام) ( الجمل لضامن بن شدقم ص28, العقد الفريد ج2 ص 277 ، الامامة والسياسة  ج 1ص 45 ، تاريخ اليعقوبي ج2 ص 180 ، بلاغات النساء ص15، الاحتجاج للطبرسي ج 1 ص 244 ، مصنفات الشيخ المفيد ج 1 ص 236) , ويروي الشيخ المفيد ان أم سلمة دخلت على عائشة وطلبت منها عدم الخروج الى الحرب. تأمل بلاغة السيدة أم سلمة  ورويتها وقارنها مع طيش عائشة .  أم سلمة رضي الله عنها هي من زوجات النبي كذلك ولكنها لم تنل تلك الحظوة التي نالتها عائشة عند كتبة البلاط , وسبب ذلك أن أم سلمة حفظت عهد النبي (ص) فقرت في بيتها ولزمت حجرتها ولم تخرج تثير الفتن كما فعلت عائشة , وكانت أم سلمة مخلصة لوصايا النبي ومؤيدة لوصيه الامام علي, فأهمل المحرفون أحاديثها ورواياتها, روى الخوارزمي:
 ( حدثنا عبد الله بن حنظلة ، حدثنى شهر بن حوشب قال : كنت عند أم سلمة رضي الله عنها فسلم رجل ، فقيل من أنت ؟ قال : أنا أبو ثابت مولى أبي ذر ، قالت : مرحبا  بأبي ثابت ، أدخل فدخل فرحبت به فقالت : اين طار قلبك حين طارت القلوب مطايرها ، قال مع علي بن أبي طالب  ، قالت وفقت والذي نفس أم سلمة بيده لسمعت رسول الله (ص) يقول : علي مع القرآن والقرآن مع علي ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ولقد بعثت إبنى عمر ، وابن أخي عبد الله - أبي أمية - وأمرتهما ان يقاتلا مع علي من قاتله ولولا أن رسول الله (ص) أمرنا أن نقر في حجالنا أو في بيوتنا ، لخرجت حتى أقف في صف علي .) ( المناقب للخوارزمي المكي الحنفي ص 177, وفي هامش كتاب المناقب ذكر محقق الكتاب السيد مالك المحمودي أن الرواية أعلاه وردت أيضا  في مستدرك الصحيحين للحاكم ج3 ص 119 ص 124  , وكذلك في فرائد السمطين للجويني ج 1 ص177)
تأمل أخلاص السيدة أم سلمة لوصايا النبي (ص) الذي قال أن علي مع القرآن والقرآن مع علي, فحفظت تلك الوصية ووقفت في صف الامام علي ع حتى بعثت أبنها وابن أخيها للقتال في صف علي في حرب الجمل, وتمنت أن تكون في القتال مع جيش أمير المؤمنين لكنها عرفت واجبها كأمرأة أمرها الله أن تبقى في بيتها,  فلم تخرج , وليس كعائشة التي تجاسرت وخرجت تؤجج الحرب على امام زمانها . لقد نالت عائشة بحربها للامام علي  مكانة رفيعة عند كتبة البلاط ووعاظ سلاطين بني أمية, فازدحمت كتب الحديث وروايات التاريخ بأفعالها وأقوالها وصارت أحاديث غيرها من نساء النبي مهمشة لاوزن لها أمام اقوالها, والسبب هو بغض عائشة لعلي وحربها له ,فرفعها الباغضون للامام علي الى مكانة فوق مكانة باقي نساء النبي, ولازال الامر كذلك حتى عهدنا المعاصر.
في طريقها الى البصرة كتبت عائشة الى زيد بن صوحان : (سلام عليك ، اما بعد : فأن اباك كان رأسا في الجاهلية ، وسيدا في الاسلام ، وإنك من ابيك بمنزلة المصلى من السابق ، يقال : كاد أو لحق ، وقد بلغك الذي كان في الاسلام من مصاب عثمان بن عفان ، ونحن قادمون عليك ، والعيان اشفى لك من الخبر ، فإذا أتاك كتابي هذا ، فاقدم فانصرنا على أمرنا هذا ، فإن لم تفعل فثبط الناس عن علي بن ابي طالب ، وكن مكانك حتى يأتيك أمري ، والسلام) . تأمل ذلك الاصرار على حرب الامام علي  أول المسلمين وأمامهم , فكان جواب زيد لها (اما بعد : فأنا ابنك الخالص ان اعتزلت هذا الامر ، ورجعت الى بيتك ، وإلا فأنا اول من نابذك) ( الرسالتين عن الجمل لضامن بن شدقم ص31, العقد الفريد ج 2 ص 227 ، تاريخ الطبري ج 4 ص 476 ، ، شرح نهج البلاغة ج 2 ص 81)
وكتب مالك بن الاشتر الى عائشة  وهي بمكة :
 ( اما بعد : فأنك ضعينة رسول الله (ص) ، وقد أمرك ان تقري في بيتك ، فإن فعلت فهو خير لك ، وإن ابيت الا ان تأخذي فسأتك ، وتلقي جلبابك ، وتبد للناس شعيراتك ، فأقاتلك حتى أردك الى بيتك ، والموضع الذي يرضاه لك ربك) ( شرح نهج البلاغة ج2 ص80)
لقد اجمع الناس على تذكير عائشة بقولهم لها : قري في بيتك أو ارجعي الى بيتك, والسبب  هو الاية ا التي نزلت في نساء النبي  ( وقرن في بيوتكن.... ) ( الاحزاب 33) والاية نص ش يوجب على نساء النبي البقاء في بيوتهن وعدم الخروج.  روى السيوطي  عن أنس  : (ان النساء جئن الى رسول الله بعد نزول الاية فقلن : لقد ذهب الرجال بالفضل والجهاد ، فهل لنا عمل ندرك به فضل المجاهدين ؟ فقال : من تقعد منكن في بيتها تدرك عمل المجاهدين) , وقال السيوطي : ان سودة بنت زمعة زوجة النبي (ص) لم تحج بعد نزول الاية فقيل لها في ذلك ، فقالت : اني حججت واعتمرت ، وأمرني ربي تعالى شأنه ان أقر في بيتي حتى تخرج جنازتي . السيد سودة  بعد رحيل النبي لم تخرج للحج  تحسبا عن تجاوز نص آية ( وقرن في بيوتكن) , لكن عائشة خرجت للحرب والقتال!
 وأخرج مسروق : ان عائشة كلما قرأت ( وقرن في بيوتكن ) تبكي حتى تبل خمارها .
 ( تفسير الاية عن الدر المنثور للسيوطي , وكذلك  روح المعاني للالوسي )
(ملاحظة : تفسير آية وقرن في بيوتكن, مع ذكر التفاسير وحديث أنس منقول بتصرف عن المحقق السيد تحسين آل شبيب في هامشه على  كتاب الجمل لضامن بن شدقم  )
لقد  أقترفت عائشة مخالفة شرعية فوق مخالفتها لنص آية ( وقرن في بيوتكن), فقد خرجت من المدينة الى البصرة التي تبعد بمسيرة ايام وليال تؤجج الحرب وتجمع الاحزاب وخرجت من غير (محرم) , ولايبيح الشرع للمرأة السفر من غير محرم بأتفاق المذاهب, ونقول ان الذي أستحل قتال أمير المؤمنين وأول المسلمين, يستحل أشنع من ذلك.
لقد كتب الثلاثة : عائشة وطلحة والزبير ,رسائلا كثيرة لرؤساء قبائل, أزدحمت بها مصادر التاريخ , و كانت جميع الرسائل تحث على الخروج عن سلطة الخليفة الامام علي, والتأليب عليه, فيالخيبة القوم.
رد المنذر بن ربيعة على طلحة والزبير فكتب اليهما:
 ( اما بعد ، فأنه لم يلحقني بأهل الخير إلا ان اكون خيرا من اهل الشر ، وإنما اوجب حق عثمان اليوم حقه امس ، وقد كان بين أظهركم فخذلتموه ، فمتى استنبطتم هذا العلم ، وبدا لكم هذا الرأي) ( الجمل لضامن بن شدقم ص 38,  الامامة والسياسة لابن قتيبة ج1 ص48), وهو استدلال لطيف , فحقا متى بدا للقوم رأي الاخذ بثار عثمان وهو الذي قتل بحضرتهم وبين دورهم وكانوا هم المؤلبين عليه!
وكتب الامام علي الى عائشة ( أما بعد ، فإنك قد خرجت من بيتك عاصية لله ولرسوله محمد (ص) ، تطلبين أمرا كان عنك موضوعا  ثم تزعمين أنك تريدين الإصلاح بين المسلمين ، فخبريني ما للنساء وقود العساكر والإصلاح بين الناس ؟ وطلبت كما زعمت بدم عثمان وعثمان رجل من بني أمية ، وأنت امرأة من بني تيم بن مرة ، ولعمر الله ان الذي عرضك للبلاء وحملك على المعصية لأعظم إليك ذنبا من قتلة عثمان ، وما غضبت حتى أغضبت ولا هجت حتى هيجت ، فاتق الله يا عائشة وارجعي إلى منزلك وأسبلي عليك سترك والسلام)  ( الامامة والسياسة ج1 ص 70, المناقب للخوارزمي ص 185)
 كانت عاصمة الدولة آنذاك هي يثرب المدينة المنورة وفيها كان يقيم الامام علي ع , واذن لقد خرج المتمردون على حكم الامام  الى البصرة وهي بعيدة عن المدينة بمسيرة أيام . لقد كان هؤلاء المعارضون في بحبوحة عيش عندما كان علي ع بعيدا عن الخلافة,  وهذا يبين  أن المؤامرة  في أبعاد علي عن خلافة رسول الله كانت مؤامرة كبيرة اشترك فيها هؤلاء الناس والذين سبقوهم من الخلفاء الثلاثة الاوائل وبطانتهم من الحاقدين والحاسدين لعلي , ويبين كذلك  أن المؤامرة الكبرى بعد وفاة محمد هي نقض الخلافة وابعاد علي عن السلطة قدر المستطاع ,وقد تم ذلك  وصارعلي ع معزولا عن الحكم لمدة ربع قرن من زمن وهي زمن خلافة ابوبكر وعمر وعثمان , فلما هرع الناس اليه بعد مقتل عثمان خرجت اضغان الطامعين وظهرت بغضائهم  فلم يجدوا مناصاً سوى حرب الأمام  . إن المؤامرة في أبعاد الامام علي عن خلافة النبي (ص) هي تكملة لمؤامرة المسلمين على النبي محمد (ص) نفسه , وسيتبين أن المتؤامرين على الامام علي كانوا أنفسهم من تآمرعلى النبي محمد (ص) أيضا ,-( تفصيل ذلك في فصل رحيل النبي http://marwan1433.blogspot.ca/2013/10/14.html)-. إن ماقام به الخلفاء الثلاثة ( أبوبكر و عمر وعثمان) في مؤامرة عزل الامام علي عن سدة الحكم أكمله الخارجون على الامام وهم طلحة والزبير وعائشة ومعاوية بن أبي سفيان , فلم تدم خلافة الامام علي سوى سنوات أربع  ,وخلالها وقعت ثلاثة حروب ضد الامام وحكومته , أولها حرب الجمل التي قادتها عائشة وطلحة والزبير ومعهم مروان بن الحكم ,  وثانيها موقعة صفين بقيادة معاوية بن ابي سفيان حاكم بلاد الشام واعوانه من طلقاء قريش, وثالثة الحروب كانت حرب النهروان التي شنها  الخوارج, وكان معاوية سببا من أسباب حرب النهروان كذلك, وسيأتي ذكر وقعة الجمل ووقعة صفين . لقد بين أمير المؤمنين  تلك المؤامرات التي أثارتها قريش عليه في خطبته ( الشقشقية) التي تقدم ذكر بعض سطورها في بداية الفصل هذا . قال الامام ع : ( فلما نهضت بالأمر ( صرت الخليفة) نكثت طائفة ( وهم جماعة عائشة وطلحة والزبير فهو نكثوا الانتخاب وخانوه بعدما رضوا به) ومرقت أخرى ( حرب النهروان مع الخوارج) وقسط أخرون ( ويعني بهم معاوية بن أبي سفيان الأموي الذي حاربه في معركة صفين) ( الشقشقية في كتاب نهج البلاغة ).

معركة الجمل سنة 36 هجرية
كانت العلاقة بين عائشة وابن عمها طلحة بن عبيد الله  أعمق مما صور المؤرخون -(ستأتي سيرة طلحة في فصل أعداء النبيhttp://marwan1433.blogspot.ca/2013/09/12.html)-, فقد كان طلحة  يطمع بالزواج من ابنة عمه عائشة حينما كانت متزوجة من النبي محمد(ص) ,  وقد صرح يوماُ : (إن مات محمد سأتزوج عائشة)! فأنزلت آية قرانية تفضحه ( .. وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلك كان عند الله عظيماً )(الاحزاب 53). قال الزمخشري في تفسيره الكشاف (إنّ رسول الله (ص) كان يطعم ومعه بعض أصحابه، فأصابت يد رجل منهم يد عائشة، فكره النبي ذلك، فنزلت آية الحجاب. وذكر أنّ بعضهم قال: أننهى أن نكلم بنات عمنا إلاّ من وراء حجاب، لئن مات محمد لأتزوّجن فلانة. فأعلمه الله أن ذلك محرم). أما الفخر الرازي تفسيره الكبير مفاتيح الغيب فقد قال: (قيل سبب نزوله أن بعض الناس قيل هو طلحة بن عبيد الله، قال لئن عشت بعد محمد لأنكحن عائشة،)وقال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القران(حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة أن رجلاً قال: لو قُبض رسول الله (ص) تزوجتُ عائشة؛ فأنزل الله تعالى: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ). أما الشوكاني صاحب تفسير فتح القدير فذكر ( عن قتادة قال: قال طلحة بن عبيد الله: لو قبض النبيّ  لتزوّجت عائشة). هذه الحادثة لاتحتاج إلى  محقق جنائي  ليستشف من خلال هذه التفاسير الاربعة أن المعنى بفلان هو طلحة بن عبيد الله , وأذا احجم بعض المفسرين عن التصريح بأسمه وقالوا فلانا فأن غيرهم ذكروا أسمه,
 بينت هذه الرواية والتي أنزل فيها قران  طبيعة العلاقة بين طلحة وابنة عمه عائشة , وفسرت لنا أواصر ذلك  التحالف القوي بينهما. قال الخليفة الثاني لطلحة:
  ( لقد مات رسول الله عليك ساخطا بالكلمة التي قلتها يوم أُنزل الحجاب) ( شرح النهج ج1 ص 185), ويعني به قول طلحة : (لإن مات محمد لأتزوجن عائشة)!
تمنت عائشة أن يكون ابن عمها طلحة خليفة على المسلمين فأن ذلك كان سيجعلها بمثابة الحاكم الحقيقي للدولة يحكمها ابن عمها وصاحبها,  لتصير متمعة بحرية وسلطة لا تُعارض, لذلك كان مجئ الامام علي ع الى السلطة غماً على عائشة , فمجيئه أرغمها بالقعود في بيتها وهو مالم تكن تبتغيه عائشة المدللة التي كانت أبنة للخليفة الاول أبوبكر, ولما صار صاحبه عمر خليفة فإنه ظل يعاملها معاملة خاصة عن غيرها من نساء النبي, فكان عطائها (راتبها ) في عهد عمر أكثر من سائر النساء. لقد فسر الامام علي سببا من أسباب ثورة عائشة عليه يوما ,فقال قبل حرب الجمل : ( مالي ولقريش , أما ولله لقد قتلتهم كافرين , ولأقتلنهم مفتونين, ومالنا الى عائشة من ذنب إلا أنَّا أدخلناها في حيزنا , والله لأبقرن الباطل حتى يظهر الحق من خاصرته , فقُل لقريش فلتضج ضجيجها) ( نهج البلاغة ج1 ص 233. جمهرة خطب العرب لأحمد صفوت ج1 ص287), وقوله في عائشة ( أدخلناها في حيزنا ) يعني به أنه أدخل عائشة تحت أوامره كخليفة ,ففقدت عائشة تلك الحرية التي كانت تتمتع بها أيام حكم أبيها أبوبكر أو أيام صاحبه  عمر .
 كان دافع  تحالف الزبير بن العوام مع طلحة بن عبيد الله على قتال الامام علي بن أبي طالب, هو بغض الامام علي بن أبي طالب غيرة وحسداً  ,والثاني كان بسبب  حرمانهما من الاموال الطائلة التي تمتعوا بها في عهد عثمان فقد ساوى الامام علي بين المسلمين في العطاء ,  وثالثها كان الطمع بالخلافة . وإذن تم تحالف الثلاثة ( عائشة, طلحة , الزبير) على الخروج على أمام زمانهم وخليفة المسلمين علي بن أبي طالب وخرجوا الى البصرة بعيدا عن العاصمة آنذاك وهي المدينة المنورة فأعلنوا عصيانهم ,وجيشوا معهم أنصاراً. لايعلق المحللون ودارسوا تاريخ كتبة البلاط على هذا التصرف الطائش الطامع لعائشة ولصاحبيها, ويصابون بالدوار عند تفسير ذلك ,ولكن هذه هي الحقيقة التي سعى المحرفون لأخفائها عن  الناس فغلفوا ماحدث بكلمة ( الفتنة) وجعلوها معرفتها من الممنوعات على العوام, وقالوا لايبت فيها الا أصحاب العلم . بينما الحقيقة  هي سعي الثلاثة ( طلحة, الزبير, عائشة) لأخراج الامام علي من الحكم وهو شئ ليس بالجديد على قريش , فقد أقصت قريش علي بن أبي طالب عن الحكم بعد رحيل النبي (ص) لمدة حكم الخلفاء الثلاثة الاوائل وكان مؤامرة أبعاد الامام علي عن الخلافة هي تكملة لمؤامرة المسلمين أنفسهم على النبي (ص). سُميت المعركة بمعركة الجمل لأن عائشة ركبت جملاً فيها وخرجت تقود الناس وتحرضهم مسعرة الحرب, وخرج معها الاف من الطامعين  نحو البصرة يجمعهم الحقد على علي بن أبي طالب, ويجمعهم التعصب العشائري والقبلي. يقول علي في طلحة والزبير :( فخرجا يجران حرمة رسول الله (يعني عائشة) ، كما تجر الأمة عند شرائها متوجهين بها الى البصرة ، فحبسا نساءهم في بيوتهم ، وابرزا حبيس رسول الله لهما ولغيرهما في جيش).( من خطب الامام في نهج البلاغة) .كان المستفيد الاكبر من تلك الحرب هو معاوية بن أبي سفيان الاموي حاكم  بلاد الشام آنذاك , الذي كان يأمل في تدمير الطرفين وارهاقهما بالحرب منتظرا الوقت المناسب لاعلان دولة بني أمية وكان له ذلك فيما بعد . أرسل معاوية الى الزبير بن العوام حاثا أياه على الحرب :
(الى الزبير بن العوام من معاوية بن ابي سفيان . . . سلام الله عليكم اما بعد ، فأني قد بايعت لك اهل الشام فأجابوني الى بيعتك فأستوثقتهم كما استوثق الحلف ، فدونك الكوفة والبصرة  لا يسبقك عليهما علي بن ابي طالب فأنه لا شيء بعد هذين المصرين, وقد بايعتهم لطلحة بن عبيدالله من بعدك ، فعليكما  بالظهور في طلب دم عثمان ، فأدعوا الناس الى ذلك بالجد والتشهير ، ظفركما  الله تعالى وخذل مناوئيكما)( الجمل لضامن  المدني المتوفى 1082 هجرية).  تأمل كيف يغرر معاوية بالزبير وطلحة ويطمعهما بأن أهل الشام قد بايعوا لهما, فيا لسفاهة العقول التي أعماها الطمع .

تحالف حفصة ابنة الخليفة عمر مع عائشة
تمنت حفصة ابنة الخليفة عمر أن تخرج الى حرب الجمل مع عائشة , لكن أخيها عبد الله بن عمر منعها , روى ابن الاثير:
(وأجابتهم حفصة إلي المسير معهم فمنعها أخوها عبد الله بن عمر وجهزهم يعلي بن منبه بستمائة بعير وستمائة ألف درهم وجهزهم ابن عامر بمال كثير ونادي مناديها إن أم المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلي البصرة فمن أراد إعزاز الإسلام وقتال المحلين والطلب بثأر عثمان ومن ليس له مركب وجهاز فليأت  فحملوا ستمائة على ستمائة بعير وساروا في ألف وقيل في تسعمائة من أهل المدينة ومكة ولحقهم الناس فكانوا في ثلاثة آلاف رجل) ( الكامل لابن الاثير ج3 ص101 باب الجمل وماقبلها). أن التحالف القوي بين عائشة وحفصة لحرب الامام علي ليس بالأمر الجديد, فقد تحالفت عائشة وحفصة قبل ذلك على النبي محمد (ص) نفسه , وأُنزلت سورة التحريم تحكي ذلك التحالف الشرير على النبوة. إن مراجعة سورة التحريم في التفاسير العديدة يبين آواصر ذلك التحالف بين حفصة وعائشة , وسيأتي دور حفصة وعائشة في تحالفهما على النبي الكريم في فصل ( رحيل النبي).

 
جرائم عائشة وصاحبيها في البصرة قبل معركة الجمل
روى الطبري :( أطافت ضبة والأزد بعائشة يوم الجمل ، وإذا رجال من الأزد يأخذون بعر الجمل فيفتونه ويشمونه ويقولون: بعرُ جمل أمنا ريحه ريح المسك ) !( تاريخ الطبر ج3 ص530)( ضبة والازد قبيلتان عربيتان) , تأمل سذاجة القوم , فهم يشمون بعر الجمل الذي تركبه عائشة ويتبركون به , فما أسهل التحكم بهكذا عقول وما أسهل تضليلها. ولما وصل جيش عائشة بجملها وجيشها ومعها صاحبيها هجموا على والي البصرة وهو آنذاك الصحابي عثمان بن حنيف, فقتلوا الحراس ونهبوا بيت المال ثم أسروا الوالي ونتفوا شعر لحيته وحاجبيه تحقيرا له . روى التاريخ:
(ثم إن طلحة والزبير ومروان بن الحكم أتوه نصف الليل في جماعة معهم، في ليلة مظلمة سوداء مطيرة وعثمان بن حنيف نائم، فقتلوا أربعين رجلا من الحرس، فخرج عثمان بن حنيف، فشد عليه مروان فأسره، وقتل أصحابه، فأخذه مروان، فنتف لحيته ورأسه وحاجبيه، فنظر عثمان بن حنيف إلى مروان فقال: أما إنك إن فتني بها في الدنيا، لم تفتني بها في الآخرة) ( الامامة والسياسة للدينوري ج 1 ص 66) وبتفصيل أكثر:
(فخرج طلحة والزبير وأصحابهما حتى أتوا دار الامارة وعثمان بن حنيف غافل عنهم ، وعلى الباب السبابجة يحرسون بيوت الاموال وكانوا قوما من الزط قد استبصروا وأئتمنهم عثمان على بيت المال ودار الامارة ، فأكب عليهم القوم وأخذوهم من اربع جوانبهم ووضعوا فيهم السيف فقتلوا منهم اربعين رجلا صبرا ! يتولى منهم ذلك الزبير خاصة ، ثم هجموا على عثمان فأوثقوه رباطا وعمدوا الى لحيته ـ وكان شيخا كثّ اللحية ـ فنتفوها حتى لم يبق منها شيء ، وقال طلحة : عذبوا الفاسق وانتفوا شعر حاجبيه واشفار عينيه واوثقوه بالحديد . فلما اصبحوا اجتمع الناس اليهما وأذن مؤذن المسجد لصلاة الغداة فرام طلحة ان يتقدم للصلاة بهم فدفعه الزبير وأراد ان يصلي بهم فمنعه طلحة ، فما زالا يتدافعان حتى كادت الشمس ان تطلع فنادى اهل البصرة : الله الله ، يا أصحاب رسول الله ، في الصلاة نخاف فوتها ! فقالت عائشة : مروا ان يصلي بالناس غيرهما فقال لهم يعلى بن منبه : يصلي عبد الله بن الزبير يوما ومحمد بن طلحة يوما حتى يتفق الناس على امير يرضونه ، فتقدم ابن الزبير وصلى بهم ذلك اليوم) .
( الجمل لضامن بن شدقم, تحقيق تحسين آل شبيب , ومثله في  انساب الاشراف ج 1ص 227 ، اليعقوبي في تاريخه ج 2 ص 181 ، تاريخ الطبري ج 4 ص 468, ابن الاثير في الكامل  ج 3 باب معركة الجمل,  مروج الذهب ج2 ص 358  للمسعودي ,باب الجمل). إن الزبير كان بنفسه يتولى قتل حراس بيت المال وذبحهم, فيالها من وحشية تفوق بها القوم على سُراق المصارف وقطاعي الطرق. ولوحدثت هذه الحادثة في أي بلد في العالم لاوجب القضاة الاعدام لمقترفيها لما فعلوه من نهب أموال الدولة وقتل حراس بيت المال ومحاولتهم قتل حاكم الولاية المعين من قبل الخليفة. لكن كتبة البلاط رفعوا الزبير وطلحة الى مصاف التقديس وألبسوهما ثوب العصمة وقالوا أنهما من المبشرين بالجنة ! فهل يدخل جنة الله من يذبح أربعين حارساً لبيت المال بلا سبب سوى طمعاً في الامارة والسيادة, إن معيار التقديس عند وعاظ سلاطين بني أمية كان بغض الامام علي بن أبي طالب ,فكلما بغض الرجل علياً كلما رفعه كتبة التاريخ  ,والزبير وطلحة من الباغضين لعلي ودليل بغضهم حربهم له وسلهم السيوف عليه , فلا يقول قائل أن الذي وقع كان فتنة , فلن تسد كلمة ( الفتنة)  الخراب الذي لاتزال الأمة تعاني منه الى يومنا هذا.

عائشة تحث على قتل الصحابي عثمان بن حنيف
ليس عجباً  أن عائشة وصاحبيها الزبير وطلحة  لم يقتلوا الوالي عثمان بن حنيف, فهم  خافوا من أنتقام  أهله وذويه الذين كانوا في العاصمة ( المدينة المنورة),  فكان الخوف لاغيره هو رادعهم الوحيد عن قتل الصحابي عثمان بن حنيف وليس الرأفة والرحمة , وعلى ذلك اتفقت مصادر التاريخ. قال ابن الاثير: (وقيل لما أخذ عثمان بن حنيف (والي البصرة) ,أرسلوا إلي عائشة يستشيرونها في أمره فقالت اقتلوه ,فقلت لها امرأة نشدتك الله في عثمان وصحبته لرسول الله فقالت لهم احبسوه ) ( الكامل لابن الاثير ج 3 ص 108, تاريخ الطبري ج3 ص 31 , باب الجمل) ,  عائشة لا تتورع عن أهدار دم رجل من المسلمين الاوائل وهو من الاصحاب المخلصين للنبي محمد (ص), ثم تغير رأيها فتسجنه!

الزبير بن العوام يتوعد بقتل خليفة المسلمين الأمام علي بن أبي طالب
روى الطبري  :(وبايع أهل البصرة طلحة والزبير فلما بايعوهما, قال الزبير :الا ألف فارس أسير بهم إلي علي أقتله بياتا أو صباحا قبل أن يصل إلينا فلم يجبه أحد, فقال إن هذه للفتنة التي كنا نحدث عنها فقال له مولاه أتسميها فتنة وتقاتل فيها , قال ويلك إنا نبصر ولا تبصر ما كان أمر قط إلا وأنا أعلم موضع قدمي فيه غير هذا الأمر فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر) ( تاريخ الطبري ج3 ص 35,  الكامل لابن الاثير ج3 ص 112)
الامام علي هو أول المسلمين بأجماع الاولين والاخرين , فماذا يقول أصحاب نظرية عدالة الصحابة في الزبير الذي يكشف عن نيته في قتل أمير المؤمنين



وصول جيش الامام علي لنجدة أهل البصرة
يصل أمير المؤمنين عليا بنفسه الى البصرة ومعه جيشه لنجدة واليه عثمان بن حنيف, ولنجدة أهل البصرة الذين وقعوا تحت رحمة سيوف جيش الجمل, لتبدأ المعركة بين الفريقين, وقبل بداية المعركة يقول الامام عليا موصياً جنده:
(أيها الناس : صافوهم ولا تبدوهم البراز ، ولا ترموهم بالسهام ، ولا تضربوهم بالسيف ، ولا تطعنوهم بالرماح ، حتى يبدوكم فإذا هزمتموهم فلا تجهزوا على جريح ، ولا تقتلوا اسيرا ، ولا تتبعوا موليا ، ولا تقبلوا شيئا من اموالهم ، إلا ما تجدونه في معسكرهم من كراع أو سلاح أو عبيد أو إماء ، وما عدا ذلك فهو ميراث لورثتهم)( (الجمل لضامن بن شدقم ص 130, مروج الذهب ج3 ص 371). تتفق مصادر التاريخ على أن معركة الجمل حدثت بعد خمسة أشهر وبضعة أسابيع فقط من تولي الامام علي بن أبي طالب أمور الدولة, وهذا دليل جلي على تحالف قريش والعرب على أبعاد الامام علي بن أبي طالب عن السلطة , فعندما نجح الخلفاء الثلاثة الاوائل في أبعاد علي عن السلطة هدأ المتآمرون والمحرفون, ولكن عندما قام الامام علي بالأمر ظهرت أحقاد الناس وتجلت بغضائهم لوصي النبي  فلم يطيقوا حقيقة تسديه للسلطة فقاموا عليه محاربين.
قبل بداية المعركة يخرج الامام علي حاسر الرأس بلادرع غير آبه بالحرب, آملاً في رد الناس عن غيهم,  فيكلم طلحة والزبير علهما يرجعان عن غيهما ويذكرهما بوصية النبي الكريم ويذكرهما بحديث غدير خم -( سياتي فيما بعد تفصيل في احتجاج الامام علي بيوم غدير خم)-, فُيبدي الزبير ندماً ويخرج عن العسكر معتزلا الحرب ويمضي الى واد السباع بعيدا عن المعركة, ثم ينزل على قوم من بين تميم : 
 ( ومضى حتى إذا صار إلى واد السباع نزل على قوم من بني تميم فقام إليه عمرو بن جرموز المجاشعى ، فقال له : أبا عبد الله كيف تركت القوم ؟ فقال الزبير : تركتهم والله قد عزموا على القتال ولا شك الا وقد التقوا ، قال فسكت عنه عمرو بن جرموز وامر له بطعام وشئ من لبن فأكل الزبير وشرب ، ثم قام فصلى واخذ مضجعه ، فلما علم ابن جرموز أن الزبير قد نام ، وثب إليه فضربه بسيفه ضربة على أم رأسه فقتله )( المناقب للخوارزمي الحنفي ص 182 , تاريخ الطبري ج4 أحداث سنة 36 هجرية),  وقيل أن ابن جرموز قتل الزبيرعندما كان الزبير في صلاته. مامعنى اعتزال الحرب بعد تأجيجها ؟ أليس الاولى بالزبير إن كان حقا نادما أن يقف مع علي بن ابي طالب؟ وماهو ذنب حراس بيت المال الذين قتلهم الزبير وأعوانه؟ لقد مضى اولئك الحراس الى حتفهم وصاروا في التاريخ كأرقام لاقيمة لها لكنهم في عدل الله تعالى المطلق أرواح ونفوس , وحساب قتلتهم في عالم الحق ؟


في رواية قبل بداية القتال عن كلام بين الامام وطلحة , يتبين فيها طمع طلحة بالخلافة وأن خروجه لم يكن ألا بغضا وحسدا لعلي :
(قال طلحة لعلي : فاعتزل هذا الامر، ونجعله شورى بين المسلمين، فإن رضوا بك دخلت فيما دخل فيه الناس، وإن رضوا غيرك كنت رجلا من المسلمين. قال علي: أو لم تبايعني يا أبا محمد طائعا غير مكره ؟ فما كنت لاترك بيعتي. قال طلحة: بايعتك والسيف على عنقي. قال: ألم تعلم أني ما أكرهت أحدا على البيعة، ولو كنت مكرها أحدا لاكرهت سعدا وابن عمر ومحمد ابن مسلمة، أبوا البيعة، واعتزلوا، فتركتهم. قال طلحة: كنا في الشورى ستة، فمات اثنان وقد كرهناك، ونحن ثلاثة، قال علي: إنما كان لكما ألا ترضيا قبل الرضى وقبل البيعة. وأما الآن فليس لكما غير ما رضيتما به، إلا أن تخرجا مما بويعت عليه بحدث، فإن كنت أحدثت حدثا فسموه لي. وأخرجتم أمكم عائشة، وتركتم نساءكم، فهذا أعظم الحدث منكم أرضى هذا لرسول الله أن تهتكوا سترا ضربه عليها، وتخرجوها منه ؟ فقال طلحة: إنما جاءت للاصلاح. قال علي: هي لعمر الله إلى من يصلح لها أمرها أحوج، أيها الشيخ أقبل النصح وارض بالتوبة مع العار)( الامامة والسياسة ج1 ص 71)  , تأمل قول طلحة لعلي : (وقد كرهناك!) فالكره علني للأمام علي , ثم تأمل قول الامام لطلحة : (أرضى هذا لرسول الله أن تهتكوا سترا ضربه عليها ), ويعني بها عائشة, فالذين أخرجوا عائشة هم أهل الباطل ولوكان النبي محمد (ص) في الحياة لما تجاسر طلحة والزبير على اخراج زوجته عائشة والتغرير بها, وإن كانت هذه مسألة فيها نظر فطلحة لم يستح من النبي في حياته وصرح بأنه سيتزوج زوجة النبي بعد وفاته كما تقدم , فكيف يستحي من النبي والنبي قد صار في عالم آخر.


بعد هذا اللقاء أمام المعسكرين, يعود الامام علي الى معسكره لتستعر الحرب, وفي خضم المعركة يُقتل طلحة بن عبيد الله على يد حليفه مروان بن الحكم ! إن مروان بن الحكم كان مع جيش الجمل ومع طلحة  لكنه خان صاحبه طلحة وقتله, فمروان الاموي لاينتمي لأي من المعسكرين في حرب الجمل, انما انتمائه  لمعاوية في الشام الذي كان يرتقب الاحداث. وقتل مروان لطلحة  كان ثأرا لمقتل الخليفة عثمان الاموي فقد مر بنا أن طلحة كان من أشد الناس على عثمان وقد أزدحمت مصادر التاريخ في أثبات ذلك حتى أن شارح النهج يقول: (والظاهر المعروف أنه لم يكن على عثمان أشد من طلحة و لا أغلظ منه . قال و لو حكينا من كلامه فيه ما قد روي لأفنينا قطعة كثيرة من هذا الكتاب و قد روي أن عثمان كان يقول يوم الدار اللهم اكفني طلحة و يكرر ذلك علما بأنه أشد القوم عليه) ( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج5 ص 124)
إن أطماع طلحة في الحكم جعلته يتباكى على عثمان ويطالب بثأره كحجة لاثارة حرب وقتال, آملا في منصب وجاه, فأتاه سهم مصوب من مروان بن الحكم الخائن الذي رصد له ليقتله غيلة , ومثل ذلك كثير في الاعيب السياسة والحروب في التاريخ. لقد أخذ مروان بثأر ابن عمه عثمان ووفى لصاحبه معاوية بن أبي سفيان,  فبعد مقتل الخليفة الثالث عثمان كتب معاوية الى مروان:
(اما بعد ، فقد وصل الي كتابك بشرح خبر قتل امير المؤمنين عثمان  ، وما ركبوه به ونالوه منه جهلا بالله وجرأة عليه ، واستخفافا بحقه ،  ولأماني لوح  الشيطان بها في شرك الباطل ليدهدهم  في أهويات الفتن ، ووهدات الضلال ، ولعمري لقد صدق إبليس عليهم ظنه ، اقتنصهم بأنشوطة فخه ، فعلى رسلك يا عبد الله تمشي الهوينى وتكون اولا ، فإذا قرأت كتابي هذا فكن كالفهد الذي لا يصطاد إلا غيلة ، ولا يتشازر  الا عند حيلة ، وكالثعلب لا يفلت الا روغانا ، وأخف نفسك منهم اخفاء القنفذ رأسه عند لمس الأكف ، وامتهن نفسك امتهان من ييأس القوم من نصره وانتصاره ، وابحث عن أمورهم بحث الدجاج عن حب الدخن عند فقاسها ، وأنغل  الحجاز  فأني منغل الشام ، والسلام .) ( الجمل لضامن بن شدقم ص 77, جمهرة رسائل العرب ج1 ص 301).

وقوله ( أنغل الحجاز ) يعني به أفسد الحجاز. لقد تصرف مروان وفقا لنصيحة معاوية فصار كالفهد الذي لايصطاد إلا غيلة, فقتل صاحبه طلحة غيلة  كما يصطاد الفهد فرائسه وقضى عليه , روى ابن سعد :
 (عن محمد بن سيرين أن مروان اعترض طلحة لما جال الناس بسهم فأصابه فقتله) ( الطبقات لابن سعد ج3 ص 223) .  وكتب كذلك (عن عبد الملك بن مروان قال: لولا أن أمير المؤمنين مروان أخبرني أنه هو الذي قتل طلحة ما تركت من ولد طلحة أحداً إلا قتلته بعثمان بن عفان) ( الطبقات لابن سعد ج3 ص 223)! وهذا النص أعتراف من عبد الملك بن مروان بأن أبيه مروان بن الحكم هو الذي قتل طلحة. إن مقتل طلحة على يد مروان بن الحكم دليل ساطع على شرك طلحة بن عبيد الله في دم عثمان بن عفان , فعثمان هو ابن عم مروان بن الحكم من عشيرة أمية بن عبد شمس .. لقد تنكر طلحة  لموقفه بعد مقتل عثمان وأدعى أنه مطالب بثأره فنال عاقبة مكره ليموت بسهم مروان .

روى العسقلاني:
(عن الجارود بن أبي سبرة قال لما كان يوم الجمل نظر مروان إلى طلحة فقال لا أطلب ثأري بعد اليوم فنزع له بسهم فقتله) ( الاصابة للعسقلاني ج2 ص70,  الحاكم في مستدركه ج13 ص41, وابن عساكر في  تاريخ دمشق  ج25 ص112 ) . لقد تحققت دعوة الامام الصالح في طلحة والزبير ففي طريقه الى البصرة لحرب الجمل قال من خطبة له : (أيها الناس، إن الموت لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب، ليس عن الموت محيد ولا محيص، من لم يقتل مات. إن أفضل الموت القتل، والذي نفس علي بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موتةٍ واحدة على الفراش، اللهم إن طلحة نكث بيعتي، وألب على عثمان حتى قتله، ثم عضهني به ورماني. اللهم فلا تمهله. اللهم إن الزبير قطع رحمي، ونكث بيعتي، وظاهر علي عدوي، فاكفنيه اليوم بما شئت، ثم نزل.) ( نهج البلاغة ج1  ص 86 ) ,وقال كذلك في خطبة له عندما خرج الزبير وطلحة الى مكة بحجة العمرة ليتفقا مع عائشة على حربه (أما والله لقد علمت أنهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتلٍ، ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم، والله ما العمرة يريدان، ولقد أتياني بوجهي فاجرين، ورجعا بوجهي غادرين ناكثين، والله لا يلقيانني بعد اليوم إلا في كتيبة خشناء ، يقتلان فيهما أنفسهما، فبعداً لهما وسحقاً!)  ( نهج البلاغة ج1 ص 63).
استمرت المعركة بين المعسكرين وعائشة في هودجها الذي صار يشبه القنفذ من وقع السهام عليه , وارادت عائشة أن تقلد الرسول محمد(ص) وتفعل مافعل في معركة بدر, فتناولت حفنة من الحصى والرمل وقذفتها في وجوه جيش علي وهي تقول ( شاهت الوجوه) , فقال أمير المؤمنين علي : (ما رميت إذ رميت يا عائشة ولكن الشيطان رمى وليعودن وبالك عليك إن شاء الله   )(الجمل لضامن بن شدقم ص 145 وعن مصنفات الشيخ المفيد  وعن الفتوح لابن أعثم ج1 ص 484,  فتوح البلدان للبلاذري, باب  الجمل, شرح ابن أبي الحديد ج1 ص85), عائشة  ترمي الحصى في وجوه جيش علي ذلك الجيش الذي كان أغلبه من أوائل الصحابة وفيهم من أهل معركة بدر الكبرى كثير.



روى البلاذري: ( عن ابن حاطب قال: أقبلت مع علي يوم الجمل إلى الهودج وكأنه شوك قنفذ من النبل، فضرب الهودج؛ ثم قال: إن حميراء إرم هذه أرادت أن تقتلني كما قتلت عثمان بن عفان. فقال لها أخوها محمد: هل أصابك شيء ؟ فقالت: مشقص في عضدي. فأدخل رأسه ثم جرها إليه فأخرجه.) ( أنساب الاشراف للبلاذري ج1 ص 312, باب الجمل, المناقب للخوارزمي الحنفي ص 182).
وروى الخوارزمي في مناقبه:
واشتبكت الحرب بين العسكرين واقتتلوا قتلا  شديدا  لم يسمع بمثله ، وقطعت على خطام الجمل ثماني وتسعون يدا ، وصار الهودج كأنه القنفذ  مما فيه من النبل والسهام ، واحمرت الأرض بالدماء ، وعقر الجمل من ورائه فعج  ورغا ، فقال علي : عرقبوه فانه شيطان ، ثم التفت إلى محمد بن أبي بكر وقال : انظر إذا عرقب الجمل فأدرك أختك فوارها ، وقد عرقب الجمل فوقع لجنبه وضرب بجرانه الأرض ، ورغا رغاء شديدا , وبادر عمار بن ياسر فقطع أنساع الهودج بسيفه واقبل علي عليه السلام على بغلة رسول الله (ص) فقرع الهودج برمحه ، ثم قال : يا عائشة اهكذا أمرك رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقالت عائشة  يا  أبا الحسن قد ظفرت فأحسن ، وملكت فاسجح ، وقال علي عليه السلام لمحمد بن أبي بكر : شأنك بأختك فلا يدنو أحد سواك ، فأدخل محمد يده إلى عائشة فاحتضنها ، ثم قال : أصابك شئ ؟ قالت لا ، ولكن من أنت ويحك فقد مسست منى ما لا يحل لك ؟ فقال محمد : اسكتي فأنا محمد أخوك ، فعلت بنفسك ما فعلت ، وعصيت ربك وهتكت سترك وابحت حرمتك ، وتعرضت للقتل ، ثم ادخلها البصرة وانزلها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي) ( المناقب للخوارزمي ص189. شرح النهج لابن أبي الحديد ج1 ص266)



ثم تنتهي الحرب التي أثارتها عائشة وصاحباها , وكانت حصيلتها مايزيد عن العشرين الف قتيل في بعض الروايات , فقد قُتل في حرب الجمل ستة عشر الف وسبعمائة وسبعون رجلا من معسكر عائشة وطلحة ، والذي قتل من أصحاب علي بن أبي طالب أربعة آلاف رجل! ولاندري بأي حجة يتذرع المبيضون لصفحات التاريخ في دفاعهم عن عائشة وصاحبيها؟ لقد خالفت عائشة نص الاية القرانية التي أنزلت في ازواج النبي ( وقرن في بيوتكن)  فلم تأبه بها ولم تسمع نصيحة غيرها من النساء, فخرجت من بيتها في المدينة مغرورة تؤجج نار الحرب, وسارت أياما ولياليا الى البصرة محرضة الناس على قتال الخليفة الامام علي , ولم تفعلها قبلها ولا بعدها من النساء سوى الكافرة هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان في معركة أحد, عندما خرجت هند مع الرجال تحثهم على قتال النبي محمد(ص) ,فكان فعل عائشة في حربها علياً مثل فعل هند في حربها للنبي (ص).  إن دماء الالاف في  وقعة الجمل يتحملها الذي أججوا نار تلك الحرب, وهم عائشة وطلحة والزبير.

 عند نهاية المعركة يقول علي لعائشة (هل رسول الله أمرك بهذا الخروج علي ؟ ألم يأمرك ان تقري في بيتك ؟ والله ما انصفك الذين أخرجوك من بيتك ، إذ صانوا حلائلهم وابرزوك !)( مروج الذهب ج1 ص 320 باب الجمل) . ومثل ذلك قال الصحابي عمار بن ياسر لعائشة بعد نهاية المعركة : ( ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عُهد إليك - ( يعني قوله تعالى (وقرن في بيوتكن ولاتبرجن تبرج الجاهلية الأولى)- , قالت : أبو اليقظان, قال : نعم , قالت : أنك والله ماعلمت قوال بالحق , قال : الحمد لله الذي قضى لي على لسانك )( تاريخ الطبري ج3 ص 548 باب الجمل). إن سماحة الامام علي لايحدها حد ,فعندما أسر عائشة وما تبقى من الناس تركهم بلا عقاب , فعادت عائشة الى المدينة  تحت حماية حليف الامام علي  وناصره المخلص  محمد بن أبي بكر وهو أخو عائشة بالدم  .

أدركت عائشة فداحة عملها ولكن عنادها منعها من الاعتراف بذلك , وكانت تعلق ماحدث على القدر فهي القائلة عندما سألوها يوما عن سبب خروجها لحرب الامام علي فقالت :

(وكان أمر اللّه قدراً مقدوراً ، وللقدر أسباب .)  (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج1 ص 160) .

من البديهي أن  عائشة تتذكر قول النبي (ص) لها ولزوجاته ( ايتكن أتقت الله ولم تأت بفاحشة مبينة ولزمت ظهر حصيرتها فهي زوجتي في الاخرة)( طبقات الصحابة لابن سعد ج8 ص508), فعرفت بعد فوات الاوان أنها خالفت النبي ولم  تلزم حصيرتها بل خرجت مؤججة حرب باطلة قُتل فيها الالوف , لذلك  وبعد سنوات من معركة الجمل وفي يوم وفاتها سُئلت عائشة ان كانت تريد أن تدفن بجوار النبي (ص) فرفضت وقالت : ( أني أحدثت بعده! أدفنوني مع أخواتي) , فدفنت في البقيع ( العقد الفريد لابن عبد ربه ج4 ص 331, المعارف للدينوري ص 134). وقولها :( أني احدثت بعده) تعني أنها احدثت أمورا مخالفة للشرع بعد النبي , وهذا اعتراف صريح بذنب عظيم, ولايعترف المذنب في فورة شبابه وعافيته بل يعترف عندما يذله الهرم والضعف والشيخوخة وهو حال عائشة قبل رحيلها فأدركت ان الحياة الى زوال فقَرَّت بما فعلت, وكفى بالموت واعظاً.

بعد المعركة  تقدم مروان بن الحكم وهو متكئ على رجل متصنعا التعب والمرض , طامعا في عطف الامام علي عليه ، فقال له علي : أبك جراحة ؟ قال : نعم يا امير المؤمنين وما أراني لما بي إلا ميتا !  فتبسم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وقال : لا والله ما انت لما بك ميت ، وستلقى هذه الامة منك ومن ولدك يوما أحمر . وقال له مروان بن الحكم : يا امير المؤمنين ، اني احب ان ابايعك ، واكون في خدمتك ! فقال علي : اولم تبايعني ، بعد ان قتل عثمان ، ثم نكثت ، فلا حاجة لي ببيعتك ، انها كف يهودية .) (النص بتصرف عن شرح النهج لابن أبي الحديد). تأمل سماحة الامام علي في العفو عن الذي يقاتله وعن الذي بايعه ثم خانه, وقارن هذا التصرف السامي للأمام علي مع مافعله الخلفاء الثلاثة الاوائل في الذين وقفوا بوجوههم ولم يبايعوهم على الخلافة!

ويقول الامام علي في مروان ( لو بايعني بيده لغدر بأسته ، اما ان له امرة كلعقة الكلب انفه ، وهو ابو الاكبش الاربعة ، وستلقى الامة منه ، ومن ولده يوما احمر ) (  نهج البلاغة) . هذه الاخبارات على لسان الامام علي وقعت فعلا فيما بعد, فمروان بن الحكم ينجو بسماحة الامام علي بن أبي طالب, ثم لايلبث أن يلتحق بمعاوية, وتتحقق نبوءة الامام التي عرفها من النبي محمد (ص), فيصبح مروان بن الحكم بعد سنين خليفة المسلمين في دولة بني أمية, وحقا تكون أمارته تسعة أشهر وهي مدة قصيرة كما قال الامام ( إن له أمرة كلعقة الكلب أنفه) وهو تعبير عنى به الامام  قصر المدة. أما الاكبش الاربعة التي ذكرهم الامام في مقولته فهم أولاد مروان بن الحكم الذين صاروا ملوك الدولة الاموية فيما بعد. لقد نجا مروان من سيف الامام بمكره وتحايله كما نصحه معاوية , ومن عجائب الاقدار أن  يموت مروان بن الحكم هذا  في أيام حكمه خنقا بأيدي زوجته وجواريها بسبب شتيمة فاحشة شتم بها خالد بن يزيد وهو ابن زوجته عندما قال له بأن مؤخرة أمه رطبة وكما يلي : (فدخل يوماً فزبره وقال: تنح يا ابن رطبة الإست، والله مالك عقل، فأضمرت أمه السوء لمروان، فدخل عليها فقال: هل قال لك خالد شيئاً فأنكرت، وكان قد تزوج بها، فقام، فوثبت هي وجواريها فعمدت إلى وسادة فوضعتها على وجهه، وغمرته هي والجواري حتى مات، ثم صرخن وقلن مات فجأة) ( تاريخ الاسلام للذهبي ج5 ص 234 ترجمة مروان), فيا للأقدار ولطافتها , نجا مروان بتملقه وتمارضه وثعلبته فظن أن سينال المجد, فنال مجداً مزيفاً في باطل الاعمال, ثم مات مخنوقا بمخدات الجواري .

معركة صفين 37 هجرية
بعد معركة الجمل قرر أمير المؤمنين علي نقل عاصمة الدولة من المدينة الى الكوفة ، فسار اليها من البصرة ، واستقر بها شهوراً . وكان معاوية بن أبي سفيان في دمشق الشام قد أعلن تمرده على الدولة  مطالباُ أمير المؤمنين عليا  بالتنحي عن كرسي الخلافة . فيتوجه الامام علي بن أبي طالب مع من استجاب له الى صفين لملاقاة المتمرد  معاوية بن أبي سفيان الأموي. ونقول ليس جديدا أن يقوم معاوية بكل ما أستطاع في سبيل تنحية الامام علي عن الخلافة , فقد فعلها قبله الخليفة الاول والثاني والثالث ونجحوا في تنحية علي بن أبي طالب لفترة حكمهم , وفعلتها عائشة ومعها طلحة والزبير في موقعة الجمل. يصل جيش علي الى منطقة صفين في  ذي الحجة ، ولم يقاتل في شهر محرم لحرمته, لكن الناس ضجوا وملوا وشكوا للإمام طول المقام في انتظار الحرب , فبين لهم الامام أن غايته في الانتظار هي فسحة للقوم  لعلهم  يغيروا رأيهم فلايحاربوه وبذلك يحقن دماء الناس  ,وقال في ذلك:
(والله لقد ضربت هذا الأمر ظهراً وبطناً ، فما وجدت يسعني إلا القتال أو أن أعصي الله ورسوله ، ولكني أستأني بالقوم عسى أن يهتدوا أو تهتدي منهم طائفة ، فإن رسول الله  قال لي يوم خيبر: لأن يهديَ الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس). الأمام علي لايطمع في نصر ولايخاف من هزيمة, فغايته هي هداية الناس للحق, وبتذكيره للناس بحديث النبي يوم خيبر يبين أن الغاية هي صلاح النفس الانسانية وهدايتها وليس القتل والنصر الاني. ومع تصفح التاريخ يتبين من سيرة الامام أنه لم يجبن في أي لقاء ونصره الله على كل الذين واجهوه من المقاتلين الاشداء, فالذي غايته أسمى من النصر والغلبة تهون عنده المواقف العصيبة وتتلاشى عنده المخاوف والاطماع.
في موقعة صفين كان منادي الامام ينادي بالناس كل يوم : ( أيها الناس لا تجهزن على جريح , ولاتتبعن مولياً (هارباً) , ولاتسلبن قتيلاً , ومن ألقى سلاحه فهو آمن)  ( النص عن موسوعة الامام علي للريشهري ج 8, وعن كتاب العقد الفريد ج3 ص333) .
في مقابل هذه الرحمة والرأفة قام معاوية وجيشه بمنع جيش الامام علي من الوصول الى الماء, فأرسل الامام علي الى معاوية يطلب منه أن لايمنع الناس عن الماء, فامتنع معاوية عن ذلك وظن أن سيفوز بقطع الماء عن جنود الامام العطاشى, ولما دارت رحى الحرب تمكن الامام علي وجيشه من التوصل الى الماء والسيطرة عليه لكنه عليه السلام لم يمنع معاوية وجيشه من الوصول الى الماء فتركهم يشربوا ويسقوا خيولهم, , فتأمل هذه الرأفة  وتأمل خسة معاوية وخبثه. ( راجع الكامل لابن الاثير ج3 ص 166 ,باب صفين) .
ثم استمرت الحرب بين الطرفين, يقول البلاذري في أنساب الأشراف  وكذلك الواقدي في إسناده وهما يصفان الايام الاخيرة من حرب صفين: (كان القتال الشديد بصفين ثلاثة أيام ولياليهن ، آخرهن ليلة الهرير), وكذلك ذكر ابن سعد في طبقات الصحابة. وسميت ليلة الهرير لكثرة أصوات المقاتلين وهمهمتهم وهرَّهم على بعضهم ، وفيها استشهد صاحب الامام علي وهو  الصحابي عمار بن ياسر رحمه الله بيد الفئة الباغية كما بشره النبي (ص)  بذلك قبلا , فقد قال النبي (ص) يوماُ في عمار( ويحا لعمار تقتله الفئة الباغية)( نص الحديث في صحيح البخاري) .ووفقا للحديث هذا يكون معاوية وجيشه  فئة باغية ظالمة لأنهم قتلوا عماراً.  وبمقتل عمار انحاز بعض الناس ممن كان مع معاوية الى جيش علي بسبب حديث النبي هذا , لكن الة التحريف والتأويل الاموية اخترعت تفسيرا اخرا  لموت عمار, فقال عمرو بن العاص صاحب معاوية: إن الذين اخرجوا عمارا بن ياسر من بيته وأتوا به الى الحرب هم سبب قتله ! ويعني بذلك أن جيش الامام علي  هم الفئة الباغية, فتأمل تأويل النصوص ولي معانيها عند المحرفين. ورد الامام علي عندما سمع قول القوم في عمار فقال ساخراً : (ونحن قتلنا حمزة لأنا أخرجناه الى أحد) (تذكرة خواص الامة لسبط ابن الجوزي ص 110) فتأمل ! استمر القتال بين جيش علي وبين جيش معاوية في ليلة الهرير طوال الليل ، وفي صبيحتها رفع معاوية المصاحف بعد تدبيره لاتفاق سري مع أحد قادة جيش علي وهو الأشعث بن قيس رئيس قبيلة كندة اليمانية الكبيرة  وصاحب النفوذ في عدد من قبائل اليمن. ويروى أن الامام علي بن أبي طالب كان يصيح ( الله أكبر)  كلما يقتل رجلاً من أصحاب المتمرد معاوية بن هند , وقد عدُّ له أصحابه أكثر من خمسمائة تكبيرة في ليلة الهرير تلك, وهذا يعني أن عليا قتل لوحده في ليلة الهرير أكثر من خمسمائة رجل من أصحاب معاوية , فتأمل!
وذكر اليعقوبي : (وزحف أصحاب عليٍّ وظهروا على أصحاب معاوية ظهوراً شديداً حتى لصقوا به ( ظهروا عليه تعنى تغلبوا عليه) ، فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه ، فقال له عمرو بن العاص:إلى أين؟ قال: قد نزل ما ترى ، فما عندك؟ قال: لم يبق إلا حيلة واحدة أن ترفع المصاحف فتدعوهم إلى ما فيها ، فتستكفَهم وتكسر من حدهم وتَفُتَّ في أعضادهم . قال معاوية: فشأنك ! فرفعوا المصاحف ودعوهم إلى التحكم بما فيما ، وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله ! فقال علي:إنها مكيدة ، وليسوا بأصحاب قرآن ! فاعترض الأشعث بن قيس الكندي ، وقد كان معاوية استماله وكتب إليه ودعاه إلى نفسه ، فقال: قد دعا القوم إلى الحق ! فقال علي: إنهم إنما كادوكم وأرادوا صرفكم عنهم . فقال الأشعث: والله لئن لم تجبهم انصرفت عنك . ومالت اليمانية مع الأشعث ، فقال الأشعث: والله لتجيبنهم إلى ما دعوا إليه ، أو لندفعنك إليهم برُمَّتك ! فتنازع الأشتر والأشعث في هذا كلاماً عظيماً حتى كاد أن يكون الحرب بينهم ، وحتى خاف عليٌ أن يفترق عنه أصحاب فلما رأى ما هو فيه أجابهم إلى الحكومة ، وقال عليٌّ: أرى أن أوجه بعبد الله بن عباس . فقال الأشعث: إن معاوية يوجه بعمرو بن العاص ، ولا يحكم فينا مضريان ، ولكن توجه أبا موسى الأشعري ، فإنه لم يدخل في شئ من الحرب. وقال علي:إن أبا موسى عدوٌّ وقد خذَّل الناس عني بالكوفة ونهاهم أن يخرجوا معي! قالوا: لا نرضى بغيره )( تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 188) !
لقد كان معاوية خارجا عن طاعة الخليفة علي بن أبي طالب ومحاربا له , ومع تأني الامام علي ورغبته في حقن الدماء وتأخيره الحرب في شهر محرم ,كان معاوية  يتعجل باشعال نار الحرب على الخليفة. ويُجمع الاولون والاخرون, الفقهاء الصالحون منهم والطالحون, اصحاب العقول المستنيرة  وكذلك الحمقى والمغفلون, يجتمعون كلهم على أن الخروج عن طاعة الامام والخليفة ذنب كبير لايغتفر, لكن أغلبهم يتلكأ عند ذكر معركة صفين ولايدلي بدلوه عند ذكر معاوية , بل نجدهم  يختلقون الاعذار لمعاوية بن هند في حربه لعلي.
إن التاريخ المتعارف عليه عند الناس هو ما كتبه وعاظ سلاطين بني أمية وما كتبه الفقهاء والمحدثون الذين كانوا يرتزقون ويتكسبون من عطايا الخلفاء الذين سنَّوا أن البت في ما حدث في صفين كان فتنة لايجوز البحث فيها , وسار على ذلك الناس من بعدهم والمعاصرون في عهدنا, فألغوا عقولهم ونعقوا مع الناعقين.
تكاد تتفق المصادر التاريخية على تنوعها في أن الذين قاموا مع الامام علي من صحابة رسول الله (ص) كانوا حوالي 800 رجلا ,استشهد منهم 350 في حرب صفين ضد معاوية ,وهذا يدل على جريمة معاوية في قتل الصحابة , والفصل القادم ( امية دولة الطلقاء) سيظهر مزيداً من أعمال معاوية في القتل. من الذين قتلوا وكانوا في معسكر الامام علي : عمار بن ياسر, الهيثم بن التيهان, هاشم المرقال, خزيمة ذو الشهادتين . قاربت حصيلة معركة صفين التي أثارها معاوية  الاموي  خمس وعشرون ألف قتيل من العراق وسبعون ألف قتيل من الشام بأتفاق أغلب مصادر التاريخ. ولو كانت هذه المعركة في عصرنا الحالي لاحيل معاوية الى محكمة دولية في اثارته لحرب ادت الى قتل  مائة الف انسان! لكن الحمقى من كتبة التاريخ وفقهاء المسلمين يترحمون على معاوية بن هند ويلحقون لقب (رضي الله عنه) عند ذكره, فتعساً لعقول غلفها الحمق وعشعش فيها  التعصب.
وافق  الامام علي بن أبي طالب على مضض بالتحكيم وهو أمر لم يكن راضياً عليه, فهو كان صاحب الحق والمنتصر في ساحة الحرب , لكن خيانة الاشعث بن قيس له وتهاون الناس ومللهم من الحرب اوصله الى القبول في التحكيم .  خرجت طائفة من جيش الامام معترضة على القبول بالتحكيم وإن كانوا لم يعترضوا عندما اقترح الاشعث خطة التحكيم  ,فياللعجب , و قالوا أن القبول في التحكيم كان تسرعا ,فيخرجون على الامام علي لتندلع حرب أخرى وهي حرب النهروان, وفيها يحارب الامام الخوارج الذين خرجوا عليه.
يغتال احد الخوارج الامام وهو في صلاته لينتهي عهد حكمه القصير, ويخسر الناس رجلا لن يجود الزمان بمثله أبدا, و ليس بعيداً أن معاوية كان له يد في أغتيال الامام علي فباع معاوية في الاغتيالات ودس السم باع كبير . ينصب معاوية نفسه خليفة على المسلمين وبعدها يتخلص من ابن علي وهو الحسن وذلك بدس السم له , ويتحقق حلم أبا سفيان الذي خطط له طوال حياته  لتصبح الخلافة بيد دعيه معاوية أموية  خالصة, لتبدأ سلسلة جديدة من الانتقامات لال الرسول محمد ولأنصارهم .
يصف أحد انصار الامام علي وكيف أن أصحابه افتقدوه فيقول أنهم أصبحوا بعد رحيله ( كالغنم بلا راع في الليلة الشاتية.).( ا الخطبة الاخيرة للامام في نهج البلاغة ).
كان عهد علي القصير عهد أصلاح ,وحاول الامام ارجاع الامور الى عهد النبوة وغَيَّر الاحكام التي صنعها وابتدعها الخلفاء الثلاثة , لكن عهده لم يدم , فالذين حاربوه ووقفوا بوجهه كانوا يكملون مابدأه الأولون أبوبكر وعمر وعثمان وأنصارهم ,فقد أتفق الجميع على حرب الامام علي بكل وسيلة, ومثلما عزله الخلفاء الثلاثة ومنعوه من الوصول للحكم فعل الذين من بعدهم فخرجوا عليه وحاربوه بشراسة , إن الذين حاربوا عليا بن ابي طالب وأبعدوه عن الخلافة كانوا أنفسهم من أشد الناس بغضا وعدواة للنبي محمد (ص) نفسه , وسيأتينا ذكر ذلك.
مر بنا كيف أن أمير المؤمنين عفا عن عائشة بعد  جريمة معركة الجمل التي اججتها هي وطلحة والزبير,  وكيف اعادها معززة مكرمة الى بيتها في المدينة المنورة , إن عائشة أثابت ذلك العفو والاحسان  من أمير المؤمنين  بسجودها شكرا لله عندما سمعت بنبأ أغتياله, فتأمل .ذكرت مصادر التاريخ أنها سجدت شكرا لله على سماعها خبر مقتل الامام  ( راجع: طبقات ابن سعد ج 3 ص 40 ، تاريخ الطبري ج5 ص 150).  إن سجود عائشة  يبين أن الانسان يصنع خالقه أحيانا ويجعله كما يحب أن يكون , ويذكرنا بالاية الكريمة التي تقول ( أفرأيت من أتخذ الهه هواه واضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ) ( الجاثية , آية 23)
 فكيف عرفت عائشة أن الله سيقبل سجودها لفرحها بموت الامام علي؟ وهل الله معها ضد الامام علي؟  لقد عبدت ربها على هواها, أواتخذت هواها الها وهو تردي وضيع في العبادة, حيث يصنع الانسان الهه وربه على مزاجه . أورد الشنقيطي في تفسيره لآية ( أرأيت من أتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا)( الفرقان) : ( قال ابن كثير في تفسير هذه الاية : أرأيت من أتخذ آلهه هواه, أي : مهما استحسن من شيء ورآه حسنا في هوى نفسه كان دينه ومذهبه) (  البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي تفسير سورة الفرقان)
و بمثل مافعلت عائشة بسجودها ذلك , استطاع الانسان أين ماكان أن يبرر افعاله وجرائمه بأن يقول أن الله هو الذي بارك له في أعماله, ولاندري هل خاطب الاله بني البشر أولئك وحصلوا منه على تأكيد بصلاح أعمالهم حتى سجدوا له شكرا على ما أقترفوه؟ إن شواهد التاريخ وأحداثه في كل العصور تحكي عن كثير من القتلة والمجرمين وعن الملوك والطغاة الذين يقولون رغما عن جرائمهم  أن الله معهم وانه يحرسهم وانهم يعبدونه حق عبادته, وهو سلوك بينته الاية الكريمة ( أفرأيت من أتخذ الهه هواه),  لقد كان سجود عائشة لفرحها بمقتل أمام المتقين وأمير المؤمنين مثلا واقعياً لضلال الناس في عبادتهم الشكلية. ومثل مافعلت عائشة بسجودها فعل معاوية بن أبي سفيان كذلك  عندما أتاه نبأ موت الحسن بن علي مسموما, فيقال أنه سجد كذلك فرحا بخبر وفاة الحسن بن علي بن أبي طالب, فتامل.
لقد أحتار كتبة التاريخ من وعاظ السلاطين والمتكسبين من موائد البلاط في البت في مواقف الذين حاربوا الامام علي بن أبي طالب , فأدخلوا كلمة (الفتنة) في كتاباتهم للتغطية على صراع السلطة , وقالوا  أن معاوية بن هند وعائشة وطلحة والزبير تأولوا فأخطأوا ,وفقا للقاعدة الفقهية العجيبة التي أخترعها وعاظ السلاطين أنفسهم والتي تقول ( من اجتهد فأصاب  له أجران ,ومن أجتهد فأخطأ فله أجر واحد) , فأذا كانوا على خطأ فلهم أجر واحد وحسابهم على الله ,وإذا كانوا مصيبين فلهم أجران وحسابهم على الله, فياله من تبرير أحمق , يفوقه حمقاً  إنطلاء هذه القاعدة على جموع المسلمين وعلمائهم حتى يومنا هذا. فصار معاوية وعائشة وطلحة والزبير وغيرهم ممن حارب الامام مأجورين وإن قتل بسببهم الاف, وهم مأجورون على قتلهم صحابة النبي (ص).  هذا المنطق المعوج هو من أساسيات بلاء هذه الامة وتأخرها, من أجل تبرير جرائم القوم التي كان من نتائجها مقتل مايزيد على مائة وخمسين ألف نفس من الناس في حربي الجمل وصفين.
 إن ذنب هذا الكذب والتدليس يتحمله العلماء والفقهاء الذين ضللوا أجيالا بحذلقتهم الفاسدة,  تقول الاية الكريمة : (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعدما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل مايريد ) ( البقرة 253). أي صار الناس عند اختلافهم فريقين, فريق المؤمنين وفريق الكافرين ولاثالث لهما. ومثله وقع  بعد رحيل النبي (ص) , فقد أختلف الناس وانقسموا وظهرت نواياهم في حروبهم كالجمل وصفين ,وصاروا فريقين , فريق المؤمنين الذين وقفوا مع صاحب الحق أمير المؤمنين,  وفريق المحاربين له  ولا ثالث لهما.

من مناقب الامام وفضائله
علي بن أبي طالب هو أول من أسلم, فهو القائل في خطبه أنه كان يعبد الله مع النبي وثالثهما خديجة زوجة النبي وليس في قريش مسلما غيرهم ,وعلى هذا اتفق المؤرخون. بل قيل أن بين نزول القرآن وحيا وبين اسلام علي يوم واحد(عن مسلم عن أنس قال استنبىء النبي (ص) يوم الإثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء) ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج1 ص 134 ).
علي أول من صلى مع النبي : (سمعت زيد بن أرقم يقول: أوّل من صلّى مع رسول اللّه  (ص) عليّ بن أبي طالب  )( مناقب علي للمغازلي الشافعي ص 65, ومثله ذكر الطبري في تاريخه ج2 ص310, أحمد بن حنبل في مسنده ج4 ص 368, البلاذري في أنساب الاشراف ج1 ص 112, الحاكم في مستدركه ج3 ص 136, الترمذي في صحيحه الجامع ج13 ص 177, ابن سعد في طبقات الصحابة ج 3 ص 21)
قال النبي (ص) في علي ( أولكم ورادا علي الحوض أولكم أسلاما, علي بن أبي طالب) ( المستدرك للحاكم ج3 ص136) وقال كذلك في علي  ( إن هذا أول من آمن بي , وهي أول من يصافحني يوم القيامة , وهذا الصديق الأكبر, وهذا فاروق الأمة يفرق بين الحق والباطل, وهذا يعسوب الدين ) ( المعجم الكبير للطبراني ج6 ص 269).
علي لم يركع ولم يسجد لاصنام الجاهلية  فقد كرمه الله بتلك الميزة في مجتمع قريش آنذاك, بينما عبد الخلفاء الثلاثة الاصنام طوال سنين شبابهم ,وعفروا وجوههم بتراب المعابد سجودا لتلك الاصنام وخنوعا , وأسلموا في اربعينيات عمرهم , ومرت بنا سير حياة الخلفاء الثلاثة الاوائل , فلا محل للمقارنة بين عظمة الامام علي وبين ضآلة الاخرين.

ولادته, وليد الكعبة!
 كانت ولادة الامام معجزة من المعجزات, فهو الوليد الأوحد الذي ولد داخل الكعبة المشرفة, فقد دخلت أمه فاطمة بنت أسد الى الكعبة وهي في مخاضها ليولد هذا الرجل العظيم.
ذكر الحاكم : ( وقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه في جوف الكعبة) ( المستدرك على الصحيحين للحاكم ج3 ص 550 رقم الحديث 6033)
وروى الدهلوي :(تواترت الأخبار أنَّ فاطمة بنت أسد وَلَدت أمير المؤمنين علياً  في جوف الكعبة فإنَّه ولد في يوم الجمعة ثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة في الكعبة ، ولم يولد فيها أحدٌ سواه قبله ولا بعده) ( كتاب أزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء ص 251 ,لأحمد الدهلوي الشهير بشاه ولي الله)
وقد ذكر السيد الريشهري في موسوعته القيمة (موسوعة الامام علي)  بعض مصادر التاريخ عند جمهور السنة التي روت ولادة الامام في جوف الكعبة, نذكر منها :
( الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص6, نور الابصار للشبلنجي ص85, كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 407, نزهة المجالس للصفوري ج2 ص454, العمدة لابن البطريق ص8, تذكرة الخواص لابن الجوزي, المناقب لابن شهرآشوب ج2 ص 174 ,مروج الذهب للمسعودي ج2 ص 349) . أما مصادر التاريخ عند الشيعة الامامية فجميعها تتفق على حقيقة ولادة الامام علي في الكعبة. ولتصافق الخبر عند الناس في محل ولادته في الكعبة,  جمع العلامة الاميني رحمه الله  في كتابه الفذ ( الغدير) أكثر من خمسين مصدرا تقول بأن الامام علي أختص لوحده بكرامة الميلاد في جوف الكعبة ,وذكر كذلك  قصائد الشعراء الذين تغنوا بهذه الكرامة الخالدة  نذكر منهم : 
  السيد الحميري المتوفى سنة 173 هجرية  حيث قال :
ولدته في حرم الإله وأمنه  والبيت حيث فناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمة  طابت وطاب وليدها والمولدُ
فى ليلة غابت نحوس نجومها  وبدت مع القمر المنير الأسعد
ما لُفّ في خرق القوابل مثله  إلاّ ابن آمنة النبي محمّد ( ديوان السيد الحميري ص 64)
وقال الحاج ميرزا اسماعيل المتوفي 1305 هجرية:
سَيّــــــــدٌ فاقَ عُلاً كُلّ الأنامْ  كان إذْ لا كائِنٌ وهو إمــــــــــــــامْ
شـــــــــــرَّفَ اللهُ بهِ البيتَ الحرامُ  حينَ أضحى لسناهُ مــــــــولِدا
وللسيد علي النقي اللكهنوي الهندي قصائد منها:
لم يكــــــن في كعبة الرحمن مولود سواه
إذ تعالى في البـــــرايا عن مثيل في علاه
وتولى ذكـــــــــــره في محكم الذكر الإله
أيقول الغــــــــر فيه بعــــــــــــــــد هذا : لست أدري!
وحكى ولادة أمير المؤمنين شعرا الشاعر بولس سلامة في قصيدته عيد الغدير حيث يقول
صبـرت فاطـم على الضيـم حتى لهـث الليل لهثــــة المكدودُ
وإذا نجمــة من الأفق خفــت تطعـن الليل بالشعــــاع الجديدُ
وتـــدانت من الحطيم وقـــــــرت وتــدلــــــــت تدلي العنقودُ
تسكب الضوء في الأثير دفيقا فعلى الأرض وابل من سعودُ
واستفاق الحمام يســـجع سجعا فتــــــهش الأركــان للتغـريدُ
بسم المســـــــجد الحرام حبورا وتنـادت حجـاره للنشــــــيدُ
( عيد الغدير للشاعربولس سلامة ص 56 (
ونظم السرخسي فقال :
ولدتْهُ منجبةٌ وكان وِلادُه في جوف كعبة أفضل الأكنان
وكذلك قال السفهيني
أم هل ترى في العالمين بأسرهم بَشَراً سواه ببيتِ مكّة يولَدُ؟
( الابيات كذلك عن كتاب وليد الكعبة للميرزا محمّد عليّ بن الميرزا أبو القاسم بن محمّد تقي بن محمّد قاسم الأُردوبادي التبريزي النجفي.)
وللحر العاملي  المتوفى 1104 هجرية صاحب كتاب الوسائل أبيات كذلك:
مولدُهُ بمكّة قد عُرف في داخل الكعبة زيدتْ شرفا
على رُخامة هناك حمر معروفة زادت بذاك قدرا
ونظم عبد المسيح الانطاكي ملحمة من خمسة آلف بيت لأمير المؤمنين يذكر فيها الولادة في الكعبة فيقول :
في رَحبة الكعبة الزهرا قد انبثقت أنوارُ طفل وضاءت في مَغانيها
واستبشرَ الناسُ في زاهي ولادته قالوا: السُّعودُ له لابدَّ لاقيها
قالوا ابنُ مَن؟ فأُجيبوا إنّه ولدٌ من نسل هاشم من أسمى ذَراريها
هنّوا أبا طالبِ الجوّاد والدَهُ والأُمَّ فاطمةٌ هُبُّوا نُهنّيها
إنّ الرضيعَ الذي شام الضياء ببيـــتِ اللَّه عزّتُهُ لا عزَّ يَحكيها

إن ولادة أمير المؤمنين في الكعبة كرامة ربانية تُذكر الناس بعظمة شأن هذا المولود, ومحل ميلاده شاهد على ذلك. ومثلما وردت قصص ولادة الانبياء والصديقين في القرآن الكريم كقصة ولادة النبي يحيى والنبي أسحاق والنبي موسى عليهم السلام, تذكيرا للناس بمقام هؤلاء العظماء ولأهمية دورهم في هداية الناس ,  كانت كذلك ولادة الامام في اطهر بقعة على الارض  إظهارا لشأن الامام علي وتمجيدا له , فالكعبة  محط الحجيج من كافة اقطار الارض, تلك التي جعل الله افئدة أولياءه تهوى اليها وجعلها  مطاف ملائكة الرحمن وقبلة المصلين , فكيف مقام من يولد في داخلها؟  وكيف سيكون ذكره عند الناس ؟  فيالها من كرامة أنفرد بها  المرتضى علي عن غيره من بني البشر , وياله من حدث غريب عجيب يبقى يذكر الناس بمقام أمير المؤمنين. إن من ألطاف الله تعالى وحكم أقداره أن يقوم علي بن أبي طالب  في مكة بأزالة بعض أصنام قريش من الكعبة قبل فتح مكة وبعدها ,فكأنه كان يرد جميل ولادته في أطهر بقعة في الارض  فجعل ينزهها عن أصنام المشركين وينظفها من أدران الجاهلين, روى الحاكم عن علي وهو يحطم أصنام قريش قبل الهجرة فقال: (عن علي بن ابي طالب (ع ) قال : انطلق بي رسـول اللّه (ص ) حـتـى اتـى بـي الـكـعـبـة فـقـال لـي : اجلس , فجلست الى جنب الكعبة , فصعد رسـول اللّه (ص ) بـمـنـكـبـي , ثـم قـال لي : انهض , فنهضت فلما راى ضعفي تحته قال لي : اجلس فـنـزلـت وجـلـسـت , ثـم قـال لـي : يـا عـلي اصعد على منكبي , فصعدت على منكبيه ثم نهض بي رسول اللّه (ص ) فلما نهض بي خيل الي لو شئت نلت افق السماء, فصعدت فوق الكعبة وتنحى رسول اللّه (ص ) فـقـال لـي : الـق صـنمهم الاكبر صنم قريش , وكان من نحاس موتدا باوتاد من حديد الى الارض , فـقـال لـي رسـول اللّه (ص ) عالجه , ورسول اللّه (ص ) يقول لي : ايه ايه جاء الحق وزهق الـبـاطـل ان الـباطل كان زهوقا, فلم ازل اعالجه حتى استمكنت منه ,فقال : اقذفه فقذفته فتكسر, وترديت من فوق الكعبة , فانطلقت انا والنبي (ص ) نسعى ,وخشينا ان يرانا احد من قريش وغيرهم , قال علي : فما صعد به حتى الساعة)( شواهد التنزيل لعيدروس بن رويش الاندونيسي ونقله عن مستدرك الحاكم ج2 ص 366 , مسند احمد بن حنبل ج1 ص 84)
وفعل مثل ذلك بعد فتح مكة , روى أبوهريرة فقال  ( قال رسول اللّه (ص ) لـعلي بن ابي طالب يوم فتح مكة : اما ترى هذا الصنم باعلى كعبة ؟ قال :بلى يا رسول اللّه , قـال : فـاحـمـلك فتناوله , فقال علي (ع ): بل انا احملك يا رسول اللّه ,فقال (ص ): واللّه لو ان ربيعة ومـضر جهدوا ان يحملوا مني بضعة وانا حي ما قدروا, ولكن قف يا علي , فضرب رسول اللّه (ص) بـيده الى ساقي علي فوق القرنوس , ثم اقتلعه من الارض بيده فرفعه حتى تبين بياض ابطيه , ثم قال لـه : مـا تـرى يـا علي ؟ قال : ارى ان اللّه عزوجل قد شرفني بك حتى اني لو اردت ان امس السماء لـمسستها, فقال له : تناول الصنم يا علي , فتناوله ثم رمى به , ثم خرج رسول اللّه (ص ) من تحت علي فـترك رجليه فسقط على الارض فضحك , فقال له (ص ): ما اضحكك يا علي ؟ فقال : سقطت من اعلى الـكـعـبـة فـمـا اصـابـنـي شـي ء, فـقال رسول اللّه (ص ): وكيف يصيبك شي ء وانما حملك محمد وانزلك جبرئيل ع (المناقب لابن المغازلي الشافعي ص 202)
وذكر الزمخشري في تفسيره لآية ( جاء الحق وزهق الباطل أن الباطل كان زهوقا) فقال:
لـمـا نـزلت هذه الاية يوم الفتح قال جبرئيل (ع ) لرسول اللّه (ص ): خذ مخصرتك ثم القها,فجعل يـاتـي صـنـما صنما وهو ينكت بالمخصرة في عينه ويقول : جاء الحق وزهق الباطل ,فينكب الصنم لوجهه حتى القاها جميعا, وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من قواريرصفر, فقال (ص ): يا علي ارم بـه , فحمله رسول اللّه  حتى صعد فرمى به فكسره ,فجعل اهل مكة يتعجبون ويقولون : ما راينا رجلا اسحر من محمد .) ( تفسير الكشاف للزمخشري, سورة الاسراء آية 81)
وإلى هذا المعنى أشار العلّامة السيّد رضا الهندي بقوله:
لما دعاك اللَّهُ قِدماً لأنْ تولَدَ في البيتِ فلبّيتهُ
شكرتَه بين قريشٍ بأنْ طهّرتَ من أصنامهم بَيتهُ ( الابيات عن الغدير للعلامة الاميني ج6 ص 22)

دور الباغضين لعلي في طمسهم منقبة ولادته في جوف الكعبة
حاول الباغضون لعلي طمس هذه الميزة الشريفة , وسعوا في عدم ذكرها لكنهم فشلوا في ذلك لانتشار الخبر وتعارف الناس عليه , فاخترعوا حلاً آخر لذلك فزعموا  أن رجلا آخر من قريش اسمه حكيم بن حزام كان قد ولد في الكعبة أيضا, ثم قالوا بما  أن شرف الولادة في الكعبة لم يتميز به علي لوحده بل شاركه في ذلك حكيم بن حزام, أذن لاداع للأعتداد به ! لنتتبع مصدر هذا الزعم لنرى صدق ذلك من كذبه .  صاحب رواية ولادة حكيم بن حزام في الكعبة هو الزبير بن بكار بن مصعب بن الزبير بن العوام , وانفرد الزبير بتلك الرواية وعنه كتب الاخرون في ذلك  فهو مصدر الرواية الوحيد , ولو تحرى الباحثون في مصدر رواية ولادة حكيم في الكعبة لوجدوا أن جميع من روى ذلك كان أسناد روايته يعود الى الزبير بن بكار, والزبير بن بكار معروف ببغضه لعلي ولأولاد علي , وهذا يبين لنا دوافع زعم الزبير بأختلاق قصة ولادة حكيم بن حزام في الكعبة .  لقد ضرب الزبير بن بكار عصفورين بحجر واحد في زعمه هذا, أولهما أختار حكيم بن حزام وهو من نفس عشيرته في قريش من بني عبد العزى, فحكيم بن حزام كان متزوجاً من أخت الزبير بن العوام وهي زينب بنت العوام ( راجع اسد الغابة لابن الاثير ج3 ص 216 ترجمة حكيم بن حزام) ، فنال الزبير بن بكار بن مصعب بن الزبير بزعمه هذا شرفاً لعشيرته , وثانيهما ساوى فضيلة الامام علي بالولادة في الكعبة بفضيلة حكيم بن حزام , فقال الناس لو كان الميلاد في الكعبة يميز المولود عن غيره فأن حكيم بن حزام مميز كذلك لأنه ولد في الكعبة أيضا, وإذن لاكرامة لعلي في ذلك لأنه لم ينفرد بذلك الشرف لوحده,  فتأمل!
 من هو حكيم بن حزام ؟ حكيم بن حزام  من طلقاء مكة الذين أسلموا بعد الفتح ومن الباغضين للنبي محمد (ص) ولاله الطاهرين , روى ابن عبد البر: (وتأخر إسلامه إلى عام الفتح فهو من مسلمة الفتح هو وبنوه عبد الله وخالد ويحيى وهشام وكلهم صحب النبي وعاش حكيم بن حزام في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام ستين سنة وتوفي بالمدينة) ( الاستيعاب لابن عبد البر ج1 ص362). نعم عاش حكيم بن حزام ستين عاما من عمره مشركا مجاهرا بالعداء للأسلام ولنبيه الكريم , وخرج في جيش قريش في حربها للمسلمين في معركة بدر,  و قبيل فتح مكة بأيام يخرج حكيم بن حزام متجسساً  على المسلمين , روى الطبري : (وأوعب مع رسول الله المهاجرون والأنصار، فلم يتخلف عنه منهم أحد، فلما نزل رسول الله (ص) مر الظهران، وقد عميت الأخبار عن قريش فلا يأتيهم خبر عن رسول الله؛ ولا يدرون ما هو فاعل؛ فخرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، يتحسسون الأخبار؛ هل يجدون خبرا أو يسمعون به !) ( تاريخ الطبري ج4 ص77 باب فتح مكة). بعد فتح مكة لم يكن أمام حكيم بن حزام سوى الرضوخ فأسلم مع طلقاء قريش ليصبح من المؤلفة قلوبهم ( الاصابة للعسقلاني ج2 ص98 ).
في وقعة حنين التي حصلت بعد فتح مكة, يخرج حكيم بن حزام مع المسلمين ومعه جمع من رؤوس قريش من طلقاء قريش ومنافقيهم , ليس نصرة للمسلمين  بل تمنيا في اندحارهم! روي الواقدي: ( قالوا وخرج رجال من مكة مع النبي فلم يغدر منهم أحدا على غير دين ركبانا ومشاة ينظرون لمن تكون الدائرة فيصيبون من الغنائم ولايكرهم أن تكون الصدمة لمحمد وأصحابه , وخرج ابوسفيان بن حرب في أثر العسكر كلما مر بترس ساقط أو رمح او متاع من متاع النبي (ص) حمله والازلام في كنانته , حتى اوقر جمله, وخرج صفوان ولم يُسلم وهو في المدة التي جعل له رسول الله , فاضطرب خلف الناس ومعه حكيم بن حزام , وحويطب بن عبد العزى وسهيل بن عمر وأبوسفيان بن حرب والحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة ينظرون لمن تكون الدائرة واضطربوا خلف الناس والناس يقتتلون فمر به رجل فقال أبشر أبا وهب هُزم محمد وأصحابه) ( مغازي الواقدي  ج2 وقعة حنين, تاريخ اليعقوبي ج1 ص 129), فلا ندري كيف يكون الطليق الذي يتمنى خسارة المسلمين في وقعة حنين مُشرفٌ من الله تعالى ليولد في الكعبة؟  لقد وَرث عبد الله وهو ابن حكيم بن حزام بغض الامام علي من أبيه , فقد خرج ابن حكيم بن حزام  في معركة الجمل محاربا لعلي بن أبي طالب وكان صاحب لواء طلحة والزبير ( أسد الغابة لابن الاثير ج3 ص 216 ترجمة عبد الله بن حكيم بن حزام ). إن ولادة حكيم بن حزام في الكعبة أهانة للمسلمين والموحدين الذين يحجون الى الكعبة ويصلون نحوها خمس مرات في اليوم. فالذين يؤمنون بقدسية الكعبة ويؤمنون أنها محرمة على الكافرين ساوموا عليها وعلى قدسيتها بأن اخترعوا قصة ولادة الكافر حكيم بن حزام فيها, من أجل الحط من مقام علي بن أبي طالب ,ولو كانوا حقا يؤمنون أن قدس الاقداس عند الله محرمة على المشركين لما زعموا زعمهم هذا , تقول الاية الكريمة ( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) ( التوبة 28). لكن البغض يعمي القلوب .
ونقول لو كان حكيم بن حزام حقا قد ولد في الكعبة لاشتهر ذلك عند الناس آنذاك, ولكان حكيم بن حزام من المتفاخرين بذلك,  فالولادة في الكعبة شرف لايعلو عليه شرف في الجاهلية أو في الاسلام, وهذه مصادر التاريخ لم تذكر رواية واحدة تصريحا أو تلميحا في تفاخر حكيم بن حزام بولادته في الكعبة مما يدل على كذب الرواية وتهافتها , وكذب روايها ومخترعها ابن بكار الباغض لعلي بن أبي طالب .
 هذه محاولة من محاولات الباغضين  لعلي كي يمحوا هذه المنقبة الشريفة عنه ,لكنهم لن يستطيعوا تغيير التاريخ . ليس مصادفة أو اعتباطا أن يستهل الامام علي أول لحظة من حياته في كعبة المسلمين محراب البشرية الخالد , فيالها من بداية لأمام الموحدين وقدوة العابدين, ومن عجائب الاقدار أن يُقتل الامام وهو في صلاته ساجداُ فخُتم عمره في محراب الصلاة ساجداً  كما بدأه وليدا  في محراب الاولين والاخرين . وصف الرسول محمد (ص) عليا بصفات لم ينلها غيره , ورفعه الى مقام لم يشرف أحدا من الصحابة به . ولو جُمعَ ماقيل في علي من فيض حديث النبي (ص) ومن الايات القرانية فيه فلن يسع ذلك مجلدات كثيرة . وفيما يلي غيض من ذلك الفيض في أمير المؤمنين علي :

حديث المنزلة
جعله النبي محمد (ص) بمنزلة نبي فقال فيه  حديث المنزلة, وهو حديث ذكرته كتب الصحاح الستة عند الجمهور وغيرها كثير ,فحديث المنزلة  أشهر من أن نكتب مصادره ,ولكن سنذكر بعضها لمن في قلبه شك. أورد البخاري  في صحيحه ان النبي قال لعلي : (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى  )( كتاب صحيح البخاري, مناقب علي , رقم الحديث 3430).  هارون نبي من أنبياء الله وهو أخو النبي موسى عليهما السلام , وقول النبي لعلي : (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) أنما يدل على رفعة مقام الامام علي عند خاتم الانبياء محمد (ص) .  وكرر البخاري الحديث في باب المغازي , باب غزوة تبوك فأورد أن النبي قال لعلي ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي). وذكر المغازلي الشافعي حديث المنزلة وأرخه بيوم فتح خيبر ,وهذا يعني أن النبي (ص) كان قد كرر حديث المنزلة في أكثر من موضع حتى يحفظ الناس ذلك . روى ابن المغازلي: 
( عن جابر بن عبد الله : لمّا قدم علىّ بن أبى طالب بفتح خيبر قال له النبىّ: يا علىّ ، لولا أن تقول طائفة من اُمّتى فيك ما قالت النصاري فى عيسي بن مريم لقلتُ فيك مقالاً لا تمرّ بملأ من المسلمين إلاّ أخذوا التراب من تحتِ رجليك ، وفضل طهورك ; يستشفون بهما ، ولكن حسبك أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي ، غير أنّه لا نبىّ بعدى.) ( عن موسوعة الامام علي للريشهري , المناقب لابن المغازلي الشافعي ص29 , وعن تاريخ دمشق لابن عساكر ج 42 ص 112, المناقب للخوارزمي ص 109 ,ص 116) ! فتأمل.
 ذكر حديث المنزلة البخاري في صحيحه في ثلاث مواضع, ومسلم في صحيحه في أربعة مواضع , وأورده أحمد بن حنبل في كتبه في أكثر من ثلاثين موضعاُ, وذكره الترمذي في أربعة مواضع, والنسائي في ثلاثين موضعاً, وذكره ابن ماجة, وابن حبان , والحاكم النيسابوري , وابن حجر الهيثمي , والطبراني في معجمه, وابن عبد البر في الاستيعاب, والمتقي الهندي في كنز العمال, والبيهقي في سننه , وذكره الشافعي في كتبه , والطحاوي , وأورده البزار في مسنده .
وقد جمع السيد الريشهري في موسوعة الامام علي مصادر حديث المنزلة في صحيح البخاري ومسلم ومسند احمد وطبقات ابن سعد وتاريخ ابن كثير وتاريخ ابن عساكر والذهبي وغيرهم فليراجعها من قلبه شك, فيالها من منزلة لم ينلها غير علي, ومن لها سواه؟

آية التطهير وحديث الكساء
 خصه النبي من بين الناس بحديث الكساء, وكان أن ضم النبي (ص) ابنته فاطمة وهي زوجة الامام علي, ومعها ولديها الحسن والحسين, ثم ضم علياً أبوهما وغطى الجميع بكساء, وقال حديثه المشهور : ( اللهم إن هؤلاء آل محمد فإجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد مجيد) وتقول  أم سلمة زوجة النبي (ص) أنها رفعت الكساء لتدخل معهم ولتنالها بركة ذلك الدعاء ,لكن النبي (ص) جذب الكساء من يدها ومنعها من ذلك وقال لها : إنك على خير! ( راجع مسند أحمد بن حنبل , باب باقي مسند الأنصار).  لقد أراد النبي أن يفقه الناس أن السيدة أم سلمة زوجته لاتدخل تحت خانة آل بيت النبي ,وكذلك باقي زوجاته, فآل بيت النبي هم الخمسة فقط الذين ضمهم الكساء,  ومنهم علي بن أبي طالب , ولايصح أن يدخل في مرتبة التشريف الالهي تلك سواهم . وروت الحديث أيضا عائشة فتقول ( خرج النبي (ص) ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله معه ، ثم جاء الحسين فأدخله معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه ، ثم جاء علي فأدخله معه ، ثم قال : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ، رواه مسلم في الصحيح ، عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره) ( السنن الكبرى للبيهقي ج2 ص 149) . ونقول إن حديث عائشة هذا هو غير حديث أم سلمة وهذا يدل على أن النبي كرر تبيان من هم آل بيته وضمهم تحت كساء أكثر من مرة .
روى الطبري عن أبي سعيد الخدري  : (قال رسول الله (ص) : نزلت هذه الآية في خمسة : في ( يعني نفسه النبي ص) ، وفي علي ، وحسن  ، وحسين ، وفاطمة  : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) ( جامع البيان للطبري ج22 ص 9)
فتكون الاية  ( أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) ( الاحزاب 33) نزلت في الخمسة فقط وهم أصحاب الكساء وهم النبي الكريم وابنته فاطمة وولديها الحسن والحسين وأبوهما علي بن ابي طالب ولا تشمل الاية غيرهم. ذكر الواحدي : (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ، قال : نزلت في خمسة ، في النبي (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين ) ( اسباب النزول للواحدي  ص 239)
لقد ذُكر حديث الكساء في أكثر من أربعين مصدر, كالشوكاني في فتح القدير ج 4 ص 279, وابن قدامة في كتابه المغني ج 6 ص 553 حيث يقول ابن قدامة (وقد قال النبي (ص) لفاطمة وولديها وزوجها : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب منهم الرجس وطهرهم تطهيرا) , وذكر مثل ذلك ابن عبد البر في الاستيعاب ج2. فياله من شرف مخلد ناله أمير المؤمنين علي ولم ينله سوى أهله. ان تأكيد النبي للناس على من هم آل بيته لم يأت أعتباطا أو محبة أو مزية رفعة لآله الطاهرين , بل كان تشريعاً للناس كي يعرفوا من هم آل بيت النبي, وكي يعرفوا  قدرهم وثقلهم, فلا يعارضوهم ولايناجزوهم ويسمعوا لهم ويطيعوا, لكن أغلب المسلمين بعد رحيل النبي تناسوا وصايا النبي وأهملوا أوامره وسعى المحرفون من كتبة البلاط وخدمة السلاطين بعد ذلك في التعتيم على هذه الاحاديث والتقليل من شأنها , لأن تثبيت هذا الحديث وغيره في عقائد الناس يُبطل الشرعية  للانظمة الحاكمة التي أغتصبت الخلافة بعد رحيل النبي, وذلك ما لايقبل به الحكام وملوك الدولة .

حديث السفينة
للتأكيد على آل بيت النبي وهم أهل الكساء الخمسة, ولتعريفهم للناس حتى لا يبقى مسلم معاصر في عهدهم يجهلهم, ولايبقى أنسان حتى قيام الساعة يغمط فضلهم , يبين النبي كذلك أن آل بيته مثل سفينة نوح نجاة لكل ضائع : روى أحمد ( عن حنش الكناني قال سمعت أبا ذر يقول وهو آخذ بباب الكعبة : من عرفني فقد عرفني, ومن أنكرني فأنا أبوذر , سمعت النبي يقول : ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح , من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك)( مسند أحمد , باب فضائل الحسن والحسين, الدر المنثو ج3 ص 334, كنز العمال ج12 ص94).  وينصح النبي (ص) الناس فيضرب مثلاُ آخر لال بيته فيقول (النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ) ( المستدرك  للحاكم ج3 ص 149). تأمل أن النبي بين من هم آل بيته وكرر ذلك في مواضع كثيرة حتى لايلتبس الامر على الناس , فحديث الكساء الذي مر بنا يبين النبي فيه للناس أن زوجاته لايدخلن تحت خانة آل بيته ولذلك جذب الكساء من يد زوجته أم سلمة ولم يدعها تدخل تحت الكساء, فلايقول قائل أن نساء النبي هن من آل بيت النبي, فالنساء هم أهل الرجل ولاتسمي العرب نساء الرجل بآل الرجل بل يقولوا آهله, إذن آل بيت الرجل لاتعني زوجاته , وقد عمد المتآخرون عن جهل وربما عن عمد في الخلط بين كلمة (الآل) وكلمة ( الاهل) وهو جهل بقواعد البلاغة في اللغة. إن  تأكيد النبي (ص) على من هم آل بيته  لم يكن أعتباطا, فليس من النبوة أن يبلغ النبيُ الناسَ أمرا لامعنى له ,  انما كانت أحاديثه (ص) وأوامره نصوصا للناس كي يعرفوا أصول دينهم , ومن تلك الاصول ركن الامامة في الدين , فأحاديث النبي في آل بيته وفي علي تبين وتؤكد أهمية دورهم ومقامهم في الدين , لكن المحرفين والمتآمرين لم يرضوا بذلك , لقد كانت غاية الاولين والمتأخرين من المسلمين في خلطهم بين كلمة ( الال) وكلمة (الاهل) هو لبس الحق بالباطل, فبخلطهم بين كلمة (الال) وكلمة (الاهل) أستطاعوا أن يدخلوا زوجات النبي ومنهم عائشة في خانة آل بيت النبي وبزعمهم ذلك تصبح الاحاديث والتوصيات في آل بيت النبي تشمل نساءه , وهو تجاسر واضح على أوامر النبي (ص) وتحريف ظاهر لأقواله, وجهل شنيع باللغة العربية.

قصة المباهلة
نال علي شرف يوم المباهلة وناله ولداه الحسن والحسين وأمهما الصديقة فاطمة , ولم ينل شرف ذلك غيرهم . وقصة يوم المباهلة هي تعريف آخر يبين بجلاء من هم آل بيت النبي . لقد حدثت حادثة المباهلة أمام جموع الناس كي يعرف العباد من هم آل بيت النبي ويثبتوا ذلك في عقائدهم, و نزلت في المباهلة آيات  سورة آل عمران وهي:
(الحق من ربك فلا تكن من الممترين(60) فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين  (61) أن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم (62) فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين (63) قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله والانشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضاُ أرباباُ من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بإنا مسلمون (64). (  آل عمران)
وملخص القصة  كمايلي :
عن ابي عبدالله جعفر الصادق ان نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله (ص) وكان سيدهم الاهتم والعاقب والسيد, وحضرت صلاتهم فاقبلوا يضربون بالناقوس وصلوا، فقال اصحاب رسول الله: هذا في مسجدك ,فقال دعوهم, فلما فرغوا دنوا من رسول الله فقالوا إلى ما تدعون؟ فقال (ص) إلى شهادة  ان لا اله الا الله واني رسول الله وان عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث , قالوا فمن ابوه؟ فنزل الوحي على رسول الله (ص) فقال قل لهم ما تقولون في آدم (ع) اكان عبدا مخلوقا يأكل ويشرب وينكح فسألهم النبي  فقالوا نعم، فقال فمن ابوه؟ فبهتوا فبقوا ساكتين فانزل الله (ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الآية) واما قوله (فمن حاجك فيه من بعد ما جاء ك من العلم إلى قوله فنجعل لعنة الله على الكاذبين) فقال رسول الله (ص) فباهلوني , فان كنت صادقا انزلت اللعنة عليكم وان كنت كاذبا نزلت علي، فقالوا انصفت, فتواعدوا للمباهلة، فلما رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم السيد والعاقب والاهتم : ان باهلنا بقومه باهلناه فانه ليس بنبي, وان باهلنا باهل بيته خاصة فلا نباهله فانه لا يقدم على اهل بيته إلا وهو صادق.  فلما اصبحوا جاؤا إلى رسول الله (ص) ومعه امير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين ، فقال النصارى من هؤلاء فقيل لهم هذا إبن عمه ووصيه وختنه علي بن ابي طالب وهذه بنته فاطمة وهذان ابناه الحسن والحسين ع، فعرفوا وقالوا لرسول الله (ص) نعطيك الرضى فاعفنا من المباهلة، فصالحهم رسول الله  على الجزية وانصرفوا.( تفسير القُمي ,آل عمران).
واورد الشوكاني : ( عن جابر قال : قدم على النبي (ص) العاقب والسيد فدعاهما الى الاسلام فقالا: أسلمنا يامحمد , فقال : كذبتما إن شئتما أخبرتكما ما يمنعكما من الاسلام , قالا : فهات, قال : حب الصليب وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير, قال جابر فدعاهما الى الملاعنة فواعداه على الغد ,فغدا رسول الله (ص) وأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين, ثم أرسل أليهما فأبيا أن يجيباه , وأقرا له , فقال (ص) : والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر الوادي عليهما ناراُ . قال جابر : فيهم نزلت ( تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين), قال جابر: وأنفسكم رسول الله وعلي , وأبناءنا الحسن والحسين ونساءنا فاطمة. ( فتح القدير للشوكاني ج1 ص 347) , وقوله : (دعاهم للملاعنة ) يعني بها أن النبي (ص) قال لوفد النصارى: ليلعن كل منا الاخر فمن كان على الحق يقبل الله دعوته وينزَّل لعنته على الكاذب.
كذلك أورد الشوكاني: (عن سعد بن أبي وقاص , قال : لما نزلت هذه الاية ( تعالوا ندع أبناءنا ...) , دعا رسول الله (ص) علياً وفاطمة وحسناً وحسينا , فقال : اللهم هؤلاء أهلي )( تفسيرفتح القدير للشوكاني ج1 ص 348. الدر المنثور للسيوطي ج2 ص 232 , الجامع للقرطبي ج4, في تفسير سورة آل عمران) ,وفي لفظ الزمخشري : (فأتى رسول اللَّه (ص) وقد غدا محتضنا الحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشى خلفه وعلىٌّ خلفها وهو يقول : إذا أنا دعوت فأمّنوا فقال أسقف نجران  : يا معشر النصارى ، إنى لأرى وجوها لو شاء اللَّه أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا : يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرّك على دينك ونثبت على ديننا قال :فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم! فأبوا. قال : فإنى أناجزكم, فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا ترددنا عن ديننا على أنّ نؤدي إليك كل عام ألفى حلة : ألف في صفر ، وألف في رجب ، وثلاثين درعا عادية من حديد. فصالحهم على ذلك . وقال : والذي نفسي بيده ، إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ولو لاعنوا لمُسخوا قردة وخنازير ، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً ، ولاستأصل اللَّه نجران وأهله حتى الطير على رؤس الشجر ، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا)( تفسير الكشاف للزمخشري ج1 ص 368, سورة آل عمران).
 تأمل كيف أن النبي بمباهلته للقوم بين للناس جميعاً من هم آل بيته فأراد (ص) أن يُعرّف للناس من هم أولئك الرهط في آية المباهلة هذه, فأخرج معه علياً بن أبي طالب وأبنته فاطمة وولديهما ولم يخرج غيرهم  كزوجاته أو اوأقاربه الاخرين, حتى يفقه الناس من هم آل بيته ولايخلطوا بين كلمة الال وكلمة الاهل , فالذين خرجوا مع النبي للمباهلة هم آله فقط ولم يخرج سواهم , ووفقاً لاية المباهلة (فتعالوا ندع أبناءنا وابنائكم ونسائنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم),  يكون الابناء هم الحسن والحسين, والنساء فاطمة بنت محمد ,أما أنفسنا فقد عنى بها النبي (ص) نفسه وعلياً بن أبي طالب معه, فصار النبي و علي بن أبي طالب والنبي نفس واحدة , فتأمل شرف ذلك وعلوه.

حديث الثقلين
خص النبي علياً كذلك بحديث الثقلين ولم يخص غيره فكان أمير المؤمنين علي سيد آل بيت النبي بعد النبي .  فبعد أن بين النبي للناس من هم أهل بيته بحديث الكساء , وحديث السفينة, وحديث المباهلة , يقول (ص) سنة حجة الوداع و في منطقة غدير خم  مكرراً :( أما بعد ألا أيها ألناس فأنما أنا بشر وشك أن يأتي رسول ربي فأجيب, وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به , ثم قال وأهل بيتي , أذكركم الله في أهل بيتي , أذكركم الله في أهل بيتي ). ( صحيح مسلم , باب فضائل الصحابة , فضائل علي بن ابي طالب) . ويروي أحمد في مسنده بتفصيل أكثر قول النبي (ص) :( إني تارك فيكم الثقلين , أحدهما أكبر من الاخر , كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض, وعترتي أهل بيتي , وأنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض) ( مسند أحمد بن حنبل, كنز العمال للهندي  ج1 ص 172.) وقال النبي(ص) ايضا في حجة الوداع أن علياً مولى كل مؤمن من بعده ووصيه وخليفته (راجع فصل نظام الحكم) فيكون علي بن أبي طالب هو سيد العترة وهو سيد آل بيت النبي من بعده, وتمعن كيف جعله النبي صنو كتاب الله  وقرنه به.  ولما كان حديث الثقلين الذين أوصى النبي المسلمين به حديثا قاطعا يبين مقام الامام علي ويبين أنه الخليفة من بعده وأنه الذي يجب على الناس أن يتخذوه مولى ومرجعاً, قام  المحرفون بتحريف حديث الثقلين لصالح الدولة الحاكمة فروت بعض المصادر أن النبي قال : (تركت فيكم أثنتين لن تضلوا بهما من بعدي أبداً كتاب الله وسنتي!) ولايذكروا أنه قال ( كتاب الله وعترتي آل بيتي).  ونرى ونسمع ذلك جلياً في عصرنا الراهن حيث يُردد حديث (كتاب الله وسنتي) كثيراً في دور الاذاعة والتلفزيون وفي شبكات الانترنيت, وعلى منابر الجوامع ,وحتى في  دروس التربية الدينية في صفوف الدراسة ,فحفظه الناس وجعلوه من وصايا النبي ,فصار حديث (تركت فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) غريباً على عوام الناس. ونقول إن إبدال كلمة عترتي أهل بيتي بكلمة سنتي إنما هو من أفاعيل دولة بنو أمية وغيرهم من الباغضين لعلي بن أبي طالب والباغضين لأهل بيته. فأجتهدوا في طمس حديث ( كتاب الله وعترتي أهل بيتي) ووضعوا بدل ذلك (حديث كتاب الله وسنتي), فغيبوا بذلك عن الناس حقيقة الحق الشرعي لعلي بالخلافة بعد النبي. لقد تقدم ذكر عداوة العرب والمسلمين لعلي بن أبي طالب وحربهم له,  فكانت الاحاديث في علي تزور للحط من مقامه ,وسيأتي في فصل ( أمية ) حرب بني أمية لآل النبي (ص) ,فكيف  ترضى بنو أمية بأولوية عترة النبي (ص) وهم من قتل أولاده وأحفاده كما سيأتينا. إن كتب الحديث ذكرت كلا الحديثين, حديث كتاب الله وسنتي , وحديث كتاب الله وعترتي أهل بيتي , ولابد لنا من وقفة لنرى حق ذلك من باطله , فهل قال النبي كتاب الله وسنتي أم قال كتاب الله وعترتي أهل بيتي؟ وجوابه كما يلي :

الرد على الحديث المحرف ( عليكم بكتاب الله وسنتي)!
الرد العقلي:
ليس من  المنطق  أن يقول النبي موصياً الناس : (عليكم بكتاب الله وسنتي), فالسنة وهي أحاديث النبي لم تكن مقيدة في الكتب, وتقدم سعي الخلفاء الى طمس السنة النبوية فكان أول من بدأ بكتابة السنة هو الخليفة عمر بن عبد العزيز , أي بعد مايقرب من ثمانين عاماُ على رحيل النبي ! (راجع فصل أبوبكر) . فكيف يأمر النبي الناس بالتشبث بشئ غير موجود وغير مكتوب؟ إلا اذا عنى (ص) بسنته ما كتبه الامام علي من أحاديث النبي في حياته وفيها يصح قوله (ص) لأن الذي كتبه الامام من أحاديث النبي كان فيه نص خلفة علي, لكن المحرفين لم يأخذوا بذلك وأطلقوا تسمية سنة النبي على ماكتبه الناس بعد وفاة النبي بعشرات السنين. ثم أن الاختلافات في السنة وفي تدوين الاحاديث النبوية أدى الى نشوء مدارس تدرس تلك الاختلافات والتناقضات من أجل التمييز بن احاديث النبي الصحيحة وبين أحاديث النبي المزورة والموضوعة , ويصرف الطالب في ذلك جل عمره محاولاً التمييز بين الحديث الصحيح من الحديث المكذوب, فكيف يتشبث الناس بشئ لم يتفقوا عليه حتى يومنا هذا ؟
إن النبي لم يأتي بشئ لاتطيقه عقول الناس فبين لهم أن عترته وآل بيته هم الواقع الحي الذي تؤخذ منه أصول الدين والشرع,  وهم نهر المعرفة الذي ينبغي النهل منه, وهم سفينة نوح
وهم الذين يجب التمسك بهم مع التمسك بالقرآن, وهو نص ماقاله (ص): ( كتاب الله وعترتي آل بيتي) وقد روى حديث ( كتاب الله وعترتي) خمسة وثلاثون صحابياً  وروته مصادر كثيرة من كتب الجمهور منها : الطبري، محمد بن إسحاق، الأزهري، ابن منظور، الذهبي في تلخيص المستدرك، الحاكم في المستدرك، الهيثمي في مجمع الزوائد، ابن كثير في تاريخه، السيوطي في الجامع الصغير, والمناوي,وصححه من المعاصرين محدث أهل السنة السلفي الشيخ الألباني ,والمحدث الأشعري الشافعي الحسن بن علي السقاف. وقد جمع مصادر الحديث ورواته الباحث مروان خليفات  في كتابه القيم ( وركبت السفينة ص394). وفي السطور القادمة قبس من بحثه ذلك.
الرد النقلي:
من مراجعة مسند حديث ( كتاب الله وسنتي) يتبين للباحث  وجود رجلين  لايثق فيهما أهل الحديث  لكذبهما على النبي وتزويرهما . الاول هو ابن أبي أويس القرني,  والثاني هو موسى بن طلحة , وعدم مصداقية الرجلين ينسف حديث ( كتاب الله وسنتي) المنقول عن لسانهما . ولقد أجاد الباحث مروان خليفات في كتابه ( وركبت السفينة ) التحقيق في مسند حديث كتاب الله وسنتي وعزز بالادلة والحقائق بطلان الحديث ووضعه, واستعان بكتب علوم الرجال  في خصوص رواة حديث ( كتاب الله وسنتي) وهما الروايان ابن أويس القرني, وصالح موسى بن طلحة  , وفيما يلي نتف من كتابه حيث يذكر عن حديث (كتاب الله وسنتي) مايلي :

(قال أحمد سعد حمدون في تخريجه للحديث المذكور: ( سنده ضعيف " فيه " صالح بن موسى الطلحي "، قال فيه الذهبي: ضعيف، وقال يحيى: ليس بشئ ولا يكتب حديثه، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك .) (شرح اصول اعتقاد أهل السنة، أبو القاسم اللالكائي السلفي: ص 8 )
وفصل المحدث، الحسن بن علي السقاف الشافعي، الكلام حول سند الحديث فقال: " سُئلت عن حديث " تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله و... " هل الحديث الصحيح بلفظ " عترتي، وأهل بيتي " أو هو بلفظ " سنتي " نرجو توضيح ذلك من جهة الحديث وسنده؟  الجواب: الحديث الثابت الصحيح هو بلفظ ( وأهل بيتي ) والرواية التي فيها لفظ ( سنتي ) باطلة من ناحية السند والمتن، ونوضح هنا إن شاء الله تعالى قضية السند لأن السؤال وقع بها، فنقول: روى الحديث مسلم في صحيحه (4 / 1873 برقم 2408 طبعة عبد الباقي) عن  زيد بن أرقم  قال: قام رسول الله (ص) يوما فينا خطيبا، بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله فأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال
(أما بعد: ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به  ) فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال:( وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي), هذا لفظ مسلم، ورواه أيضا بهذا اللفظ الدارمي في سننه (ج2 ص 431 - 432) بإسناد صحيح كالشمس، وغيرهما.
وأما لفظ (وسنتي ) فلا أشك بأنه موضوع لضعف سنده، ووهائه، ولعوامل أموية أثرت في ذلك وإليك إسناده ومتنه: روى الحاكم في المستدرك (ج1 ص93  ) الحديث بإسناده من طريق ابن أبي أويس عن أبيه عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة عن ابن عباس وفيه : ( يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة نبيه ):وأقول: في سنده ابن أبي أويس وأبوه، قال الحافظ المزي في تهذيب الكمال (ج3 ص127) في ترجمة الابن - ابن أبي أويس - وأنقل قول من جرحه قال معاوية بن صالح عن يحيى - بن معين -: أبو أويس وابنه ضعيفان، وعن يحيى بن معين - أيضا -: ابن أبي أويس وأبوه يسرقان الحديث، وعن يحيى - ايضا - مخلط يكذب ليس بشئ. وقال أبو حاتم: محله الصدق، وكان مغفلا. وقال النسائي: ضعيف، وقال - النسائي - في موضع آخر: ليس بثقة، وقال أبو القاسم اللالكائي: بالغ النسائي في الكلام عليه، إلى أن يؤدي إلى تركه.. وقال أبو أحمد بن عدي: وابن أبي أويس هذا روى عن خاله مالك أحاديث غرائب لا يتابعه أحد عليه. قلت: قال الحافظ ابن حجر في " مقدمة فتح الباري " ص 391 دار المعرفة عن ابن أبي أويس هذا: " وعلى هذا لا يحتج بشئ من حديثه، غير ما في الصحيح، من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره . قال الحافظ السيد أحمد بن الصديق في " فتح الملك العلي " ص 15: " وقال سلمة بن شبيب: سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول: ربما كنت أضع لأهل المدينة إذا اختلفوا في شئ فيما بينهم فالرجل متهم بالوضع، وقد رماه ابن معين بالكذب، وحديثه الذي فيه لفظ " وسنتي " ليس في واحد من الصحيحين!
وأما أبوه، فقال أبو حاتم الرازي كما في كتاب ابنه الجرح والتعديل (ج 5 ص 94). يكتب حديثه ولا يحتج به، وليس بالقوي ". ونقل في المصدر نفسه ابن أبي حاتم عن ابن معين أنه قال فيه: " ليس بثقة "
قلت: وسند فيه مثل هذين اللذين قدمنا الكلام عليهما، لا يصح - حتى يلج الجمل في سم الخياط - لا سيما وما جاءا به مخالف للثابت في الصحيح.
وقد اعترف الحاكم بضعف الحديث، فلذلك لم يصححه في المستدرك، وإنما جلب له شاهد، لكنه واه ساقط الإسناد، فازداد الحديث ضعفا إلى ضعفه، وتحققنا أن ابن أبي أويس أو أباه قد سرق واحد منهما حديث ذلك الواهي الذي سنذكره ورواه من عند نفسه، وقد نص ابن معين وهو من هو على أنهما كانا يسرقان الحديث. فروى الحاكم (ج1 ص93 ) ذلك حيث قال: " وقد وجدت له شاهدا من حديث أبي هريرة " ثم روى بسنده من طريق الضبي ثنا صالح بن موسى الطلحي، عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا: ( إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض).
قلت: هذا موضوع أيضا، واقتصر الكلام هنا على رجل واحد في السند وهو صالح بن موسى الطلحي، وإليك كلام أئمة أهل الحديث من كبار الحفاظ الذين طعنوا فيه من تهذيب الكمال ( ج13 ص 96)
وقال النسائي: لا يكتب حديثه، وقال في موضع آخر متروك الحديث . قال يحيى بن معين: ليس بشئ. وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث، منكر الحديث جدا، كثير المناكير عن الثقات
وفي تهذيب التهذيب (ج4 ص 355) للحافظ ابن حجر قال ابن حبان: كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات حتى يشهد المستمع لها أنها معمولة أو مقلوبة لا يجوز الاحتجاج به، وقال أبو نعيم: متروك الحديث يروي المناكير. قلت: وقد حكم الحافظ عليه في " التقريب " (ترجمة 2891) بأنه: " متروك " والذهبي في " الكاشف " (2412) بأنه:  واه. وأورد الذهبي في " الميزان " (2 / 302) حديثه هذا في ترجمته على أنه من منكراته .وقد ذكر مالك هذا الحديث في " الموطأ " (899 برقم 3) بلاغا بلا سند ولا قيمة لذلك بعد أن بينا وهاء إسناده.  
وقد ذكر الحافظ ابن عبد البر في " التمهيد " (24 / 331) سندا ثالثا لهذا الحديث الواهي الموضوع فقال: وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال حدثنا أحمد بن سعيد، قال حدثنا محمد بن إبراهيم الديبلي، قال حدثنا علي بن زيد الفرائضي قال حدثنا الحنيني، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه عن جده " به
قلت: نقتصر على علة واحدة فيه وهي أن كثير بن عبد الله هذا الذي في إسناده قال عنه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: أحد أركان الكذب (نقل السقاف قول الإمام الشافعي وأبي داود عن تهذيب التهذيب: 8 / 377 دار الفكر، وتهذيب الكمال: 24 / 138). وقال عنه أبو داود: كان أحد الكذابين ، وقال ابن حبان: روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب (انظر المجروحين، الحافظ ابن حبان 2 /221 ).
قال النسائي والدرقطني: متروك الحديث وقال الإمام أحمد: منكر الحديث ليس بشئ، وقال يحيى بن معين: ليس بشئ
قلت: وقد أخطأ الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في التقريب عندما اقتصر على قوله فيه: ضعيف، ثم قال: " وقد أفرط من رماه بالكذب " قلت: كلا لم يفرط بل هو واقع حاله كما ترى من كلام الأئمة فيه. لا سيما وقد قال عنه الذهبي في الكاشف: " واه " وهو كذلك، وحديثه موضوع، فلا يصلح للمتابعة ولا للشواهد بل يضرب عليه، والله الموفق.
فتبين بوضوح أن حديث " كتاب الله وعترتي " هو الصحيح الثابت في صحيح مسلم، وأن لفظ " كتاب الله وسنتي " باطل من جهة السند غير صحيح. فعلى خطباء المساجد والوعاظ والأئمة، أن يتركوا اللفظ الذي لم يرد عن رسول الله (ص)، وأن يذكروا للناس اللفظ الصحيح الثابت عنه عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم " كتاب الله وأهل بيتي " أو " وعترتي "  انتهى) (  انتهى الاقتباس عن كتاب وركبت السفينة لمروان خليفات ص 410).
وأخيرا إن حديث ( كتاب الله وسنتي) حديث لايؤخذ به لوجود ابن أبي أويس القرني  فيه وكذلك وموسى بن طلحة, وتبين لنا كذب الرجلين وعدم ثقة أهل الحديث بهما فعلام التمسك بحديث واهن؟ وبذلك يكون حديث النبي الصحيح هو الحديث الذي يوصي به (ص) بالكتاب وبعترته آل بيته فهم الذين نأخذ الدين منهم ولانأخذه من غيرهم ,فقد زكاهم نبي الله بنفسه وأوصى المسلمين بالتمسك بهم ولم يوص بغيرهم , وعلي سيد عترة آل بيت النبي بعد النبي فلم يبلغ ذلك الشموخ غيره ولم ينل شرف ذلك سواه.

حديث الولاية والخلافة
خص النبي علياً بحديث الخلافة وجعله ولي الناس من بعده, وهذا الحديث هو محور الاختلاف والانقسام بين طوائف المسلمين, وهو تكملة لحديث الثقلين الذي مر بنا, وتلاه النبي (ص) على الناس  في منطقة غدير خم سنة حجة الوداع الاخيرة.  لم يكن النبي ليترك الناس بلاوصية ولا خليفة من بعده فأن ذلك يتناقض منطقيا مع دعوته للناس , فقد اوصى النبي (ص)  بالخلافة من بعده لعلي بن أبي طالب بحديث الخلافة والوصية هذا , ولما لم يستطع الباغضون لعلي بن أبي طالب رد هذا الحديث وأنكاره فأنهم أولوه وقالوا أن معناه لايدل على الوصية والخلافة ,وهو تأويل سفيه , فلم يكن النبي (ص) بالذي يبلغ أوامر السماء بالتمويه والتلميح , بل صرح في منطقة غدير خم بهذا الحديث وسمعه الحاضرون حتى رواه أكثر من مائة وخمسين صحابي , وأنزلت آية قرانية تدل على الحديث وهي من أواخر ما نزل من الايات بأتفاق المفسرين والمؤرخين . يقول نص الاية الكريمة بخصوص حديث الولاية : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل أليك من ربك وأن لم تفعل فما بلغت رسالته)( المائدة 67)  وتفسير الآية  كما يلي :
 ( عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية : ‏‏يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك‏ ، على رسول الله يوم غدير خم ، في علي بن أبي طالب. ) (عن إبن مسعود قال :‏ كنا نقرأ على عهد رسول الله (ص) : ‏يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك‏ ، أن علياً مولى المؤمنين ، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس‏) ( الدر المنثور في  للسيوطي , ج2 تفسير سورة المائدة) بعد نزول الاية يقوم النبي (ص) بتبليغ الناس بأمر السماء وهو ولاية علي بن أبي طالب , وقد تقدم ذكر ذلك في فصل (نظام الحكم) .
وفيما يلي بعض النصوص في حديث الوصية :
قال النبي في خطبته سنة حجة الوداع:
( أيها الناس كإني قد دعيت فأجبت وإني تارك فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنظروا كيف تخلفوني فيهما ، فأنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض إن الله مولاى وأنا ولي كل مؤمن ,من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه )( كنز العمال للمتقي الهندي ج1 ص 187) وقال (ص) كذلك:
(يا أيها الناس إني قد نبأني اللطيف الخبير إنه لن يعمر نبى إلاّ نصف عمر الذى يليه من قبله وإني قد يوشك أن أدعى فأجيب وإني مسؤول وإنكم مسؤولون فما أنتم قائلون ، قالوا : نشهد إنك قد بلغت وجاهدت ونصحت قال : اليس تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن جنته حق وناره حق وأن الموت حق وأن البعث حق بعد الموت وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور يا أيها الناس إن الله مولاى وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا مولاه (يعنى علياً) اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، يا أيها الناس إني فرطكم وأنكم واردون على الحوض أعرض ما بين بصرى إلى صنعاء فيه عدد النجوم قدحان من فضة وإنى سائلكم حين تردون على ، عن الثقلين فإنظروا كيف تخلفوني فيهما الثقل الأكبر ، كتاب الله عز وجل سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فإستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا على الحوض.) ( كنز العمال للمتقي الهندي ج1 ص 187) . ليس هناك  تفصيلاً أكثر من ذلك, فالنبي يؤكد أهمية آل بيته وبين قبل ذلك في أكثر من موضع من هم آل بيته وحددهم بحديث الكساء, ثم يوصي المسلمين بذلك في خطبته هذه في غدير خم , و يبين لهم ان بعد رحيله الى العالم الاخر سيكون علي بن أبي طالب هو المولى لهم محل رسول الله ,ويعني ذلك أنه الخليفة وصاحب الامر من بعده. ان مقولة النبي (ص) للناس في علي ( من كنت مولاه فعلي مولاه , اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) عرفها المسلمون ولم يستطع الباغضون لعلي أنكارها فلم يجدوا سوى تأويلها كما مر بنا.
ذكر العلامة الصدوق :
( عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : لما رجع رسول الله (ص) من حجة الوداع ونحن معه أقبل حتى إنتهى إلى الجحفة فأمر أصحابه بالنزول فنزل القوم منازلهم ، ثم نودي بالصلاة فصلى بأصحابه ركعتين ، ثم أقبل بوجهه إليهم فقال لهم : إنه قد نبأني اللطيف الخبير أني ميت وأنكم ميتون ، وكإني قد دعيت فأجبت وأني مسؤول عما أرسلت به إليكم ، وعما خلفت فيكم من كتاب الله وحجته وأنكم مسؤولون ، فما أنتم قائلون لربكم ؟ ، قالوا : نقول : قد بلغت ونصحت وجاهدت فجزاك الله عنا أفضل الجزاء ثم قال لهم : الستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله إليكم وأن الجنة حق ؟ وأن النار حق ؟ وأن البعث بعد الموت حق ؟ ، فقالوا : نشهد بذلك ، قال : اللهم أشهد على ما يقولون ، ألا وإني أشهدكم أني أشهد أن الله مولاي ، وأنا مولى كل مسلم ، وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فهل تقرون لي بذلك ، وتشهدون لي به ؟ ، فقالوا : نعم نشهد لك بذلك ، فقال : ألا من كنت مولاه فإن علياً مولاه وهو هذا ، ثم أخذ بيد علي (ع) فرفعها مع يده حتى بدت آباطهما ثم قال : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأنصر من نصره ، وأخذل من خذله ، ألا وإني فرطكم وأنتم واردون علي الحوض ، حوضي غداً وهو حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء فيه أقداح من فضة عدد نجوم السماء ، ألا وإني سائلكم غداً ماذا صنعتم فيما أشهدت الله به عليكم في يومكم هذا إذا وردتم علي حوضي ، وماذا صنعتم بالثقلين من بعدي فإنظروا كيف تكونون خلفتموني فيهما حين تلقوني ؟ ، قالوا : وما هذان الثقلان يا رسول الله ؟ ، قال : أما الثقل الأكبر فكتاب الله عز وجل ، سبب ممدود من الله ومني في أيديكم ، طرفه بيد الله والطرف الآخر بأيديكم ، فيه علم ما مضى وما بقي إلى أن تقوم الساعة ، وأما الثقل الأصغر فهو حليف القرآن وهو على بن أبي طالب وعترته (ع) وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. ( الخصال ص65  للعلامة الصدوق)
 وردت رواية الولاية والوصية في أكثر من خمسين مصدراً من مصادر جمهور السنة وفي أكثر من موضع واحد نذكر منها:
 ( التاريخ الكبير للبخاري ج1 ص 375,ج4 ص 193. مسند أحمد بن حنبل , باب مسند علي . سنن ابن ماجة في مقدمته, المستدرك للحاكم النيسابوري , باب قسم الفئ , وكذلك باب مناقب أمير المؤمنين علي وفي أكثر من عشرة مواضع. كتاب مجمع الزوائد لابن حجر الهيثمي ج 9 ص 103 باب مناقب علي,  في أكثر من عشرين رواية. كتاب السنن الكبرى للنسائي ج 5 ص 45 في أكثر من عشرين رواية كذلك. كتاب تخريج الحديث النبوي للألباني في ثلاث روايات. كتاب المطالب العالية لابن حجر , باب مناقب علي . أسد الغابة للمؤرخ ابن الاثير  ج1 ص 367 وبأكثر من عشر روايات. كتاب كنز العمال للمتقي الهندي ج1 ص 187 وبعدد ثلاثين رواية. تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج 13 ص 69 وبعدد يزيد عن تسعين رواية. كتاب ذخائر العقبى للطبراني ص 67. كتاب الدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 298.  كتاب الاعتقاد للبيهقي , باب أجتماع المسلمين . كتاب البداية والنهاية لابن كثير الدشقي ج5  ص 228 وفي أكثر من ثلاثين رواية. كتاب تذكر الحفاظ للذهبي ج 1 ص 10 وبعدد سبعة روايات.). إن رواية الخلافة والوصية تأتي بتفصيل أكثر في كتب الامامية, وكما يلي : قال النبي في علي: (علىّ يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظالمين . علىّ أخى ، ومولي المؤمنين من بعدى ، وهو منّى بمنزلة هارون من موسي ; ألا إنّ الله تعالي ختم النبوّة بى فلا نبىّ بعدى ، وهو الخليفة فى الأهل والمؤمنين بعدى) ( عن موسوعة الامام علي للريشهري ونقله عن , الأمالى للطوسى  ، كشف الغمّة ج 2 ص 35 , تفسير العيّاشى ج1 ص153, بشارة المصطفى ص 147, البرهان فى تفسير القرآن للبحراني ج2 ص 227 , بحار الأنوار للمجلسي  ج37 .).
وأورد صاحب تفسير الصافي :
(في الكافي وتفسير القمي قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  في قوله تعالى ( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار, جهنم يصلونها وبئس القرار) (إبراهيم آية 28,29) قال عليه السلام: ما بال أقوام غيّروا سنة رسول الله  وعدلوا عن وصيّه ولا يتخوّفون أن ينزل بهم العذاب: ثم تلا الآية ثم قال: نحن النعمة التي أنعم الله على عباده وبنا يفوز من فاز يوم القيامة )( تفسير الصافي , سورة إبراهيم ). إن المسلمون لم يخالفوا النبي في وصاياه بعلي وآل بيته فقط ,بل أجتمعوا على قتل آل النبي في أكثر من مقام , فيالها من مصيبة لازال فعلها قائما حتى يومنا هذا, نرى نتائجها في جهل الناس بأمور دينهم, ونراها في جهلهم بمقام الامام علي ومكانته ونراها في تعصب الناس وأصرارهم على صحة منهج آبائهم وأجدادهم ذلك المنهج الذي خطه المحرفون والمتآمرون, ونراها في جهل غير المسلمين بحقيقة هذا الدين وحقيقة أصوله فقد صنع الملوك والسلاطين وكتبة البلاط ديناً على هواهم لايمت لدين محمد سوى بالأسم وبشعارات وطقوس شكلية.

احتجاج الامام علي بحديث الغدير
احتج الامام علي بن أبي طالب على مغتصبي الخلافة بحديث الغدير في اكثر من موضع , وأحتجاجه ذلك دليل على صحة الحديث وعلى أهميته وقوته , فالحديث وصية النبي (ص) للناس من بعده, لكن المسلمين حرفوا أوامر النبي وتناسوا وصاياه من بعده, تماما كما فعل أتباع الاديان الاخرى بعد رحيل أنبيائهم , فصار حديث الغدير غريبا على عوام الناس.
 سعى المؤرخون من وعاظ السلاطين وكتبة البلاط في تجاهل تذكير الامام علي للناس بحديث الغدير, فكانت كتاباتهم توحي للقارئ أن الامام علي بن أبي طالب كان راضياً بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان, لكن الحقيقة هي غير ذلك. فكيف يرضى الامام علي بأبعاده عن الخلافة والنبي (ص) كان قد أوصى به من بعده؟ إن عدم رضا الامام  على أغتصاب الخلافة منه لم يأت من حرصه على منصب الخلافة, بل كان حرصا على وصايا النبي (ص). فيما يلي وبأختصار نتف من التاريخ  تبين تذكير الامام علي للناس بحديث الغدير وأحتجاجه به عليهم, وهذه النتف تصفع وجوه المتآمرين من كتبة البلاط  وفقهاء السلطة الحاكمة, وتبين أن الخلفاء الثلاثة الاوائل كانوا مغتصبين للسلطة ومحرفين لوصايا النبي الكريم (ص).
احتجاج الامام  على الخليفة الاول أبي بكر وعلى صاحبه عمر:
تقدم ذكر امتناع الامام علي عن مبايعة أبي بكر في فصل ( السقيفة وكيف تمت البيعة) وأنه لم يبايع باتفاق المؤرخين جميعاُ حتى موت فاطمة عليها السلام , واختلف المؤرخون بعد ذلك فمنهم قال أنه بايع بعد وفاتها ومنهم قال أنه بايع تقية أو لم يبايع. بعد تسدي أبوبكر كرسي الخلافة أرسل الى الامام علي  طالباُ منه أن يأتي مجيبا لأمره كونه صار خليفة رسول الله, فلما أتى الرسول لعلي يبلغه بأمر الخليفة الاول قال علي ( سبحان الله ما أسرع ما كذبتم به على رسول الله, إنه يعلم ويعلم الذين حوله أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري) ( كتاب سليم الهلالي ص 146). وقوله : ( أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري) عنى بها يوم الغدير حين نصب الرسول عليا أماما على الناس وقال فيه: ( من كنت مولاه فعلي مولاه). ثم يقول الامام كذلك : ( سبحان الله ، ما والله طال العهد فينسى ، فو الله إنّه ليعلم أنّ هذا الاسم لا يصلح إلاّ لي ، وقد أمره رسول الله وهو سابع سبعة ، فسلّموا عليّ بإمرة المؤمنين ، فاستفهم هو وصاحبه عمر من بين السبعة ، فقالا : أحق من الله ورسوله ؟ فقال لهما رسول الله  (ص) : نعم ، حقّاً حقّاً من الله ورسوله إنّه أمير المؤمنين ، وسيّد المسلمين ، وصاحب لواء الغر المحجلين) ( كتاب سليم ص 148).
احتجاجه على جماعة الشورى التي اخترعها عمر
تقدم في فصل عمر باب الشورى والانتخاب , أن عمراً جعل الخلافة من بعده في ستة رجال, فلما مات عمر من جراحه أجتمع رجال الشورى ليختاروا الخليفة من بينهم, فذكرهم الامام علي بحديث يوم غدير خم وكما يلي  :
عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، قال : كنت على الباب يوم الشورى مع علي  ، وسمعته يقول لهم : ( ...  فأنشدكم بالله: هل فيكم أحد قال له رسول الله (ص): من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، ليبلغ الشاهد الغائب، غيري ؟  قالوا: اللهم لا.) ) كتاب الغدير للعلامة الاميني ج1 ص328 ,باب المناشدة والاحتجاج بحديث الغدير ,ونقله عن فرائد السمطين للحموئي ج1 ص 319, شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج6 ص167   المناقب للخوارزمي الحنفي ص 314 ، مناقب الإمام علي للمغازلي ص 155).
ويروي العلامة الاميني في غديره أن حديث الشورى ذكره ابن حجر في الصواعق نقلا عن الحافظ الكبير الدارقطني , حيث أخرج الدار قطني أن أن عليا قال للستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم كلاما طويلا من جملته:
(أنشدكم الله: هل فيكم أحد قال له رسول الله ( ص) : يا علي أنت قسيم الجنة والنار يوم القيامة، غيري ؟ قالوا: اللهم لا. ) وذكر ابن حجر كذلك : (أخرج الدارقطني: أن عليا يوم الشورى احتج على أهلها، فقال لهم :أنشدكم بالله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله في الرحم مني) ( الصواعق المحرقة لابن حجر ص 156 , عن الغدير للأميني باب المناشدة والاحتجاج بحديث الغدير).




احتجاج الامام علي بحديث الغدير في يوم معركة الجمل

(حدثنا رفاعة بن أياس الضبى ، عن أبيه ، عن جده قال : كنا مع علي يوم الجمل ، فبعث إلى طلحة بن عبيدالله أن القنا فأتاه ، فقال : نشدتك الله هل سمعت رسول الله (ص) يقول : من كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، قال نعم ، قال فلم تقاتلني ؟ قال : لم اذكر ، قال فانصرف طلحة) ( المناقب للخوارزمي ص 182 رقم الرواية 221, مروج الذهب للمسعودي ج2 ص364, الغدير للاميني باب الاحتجاج بحديث الغدير , وعن المستدرك على الصحيحين للحاكم ج3 ص371 ، تاريخ دمشق لابن عساكر ج25 ص 108) تذكرة الحفاظ لسبط ابن الجوزي ص42, مجمع الزوائد لأبي بكر الهيثمي ج9 ص 107, تهذيب التهذيب لابن حجر ج1 ص391 . كنز العمال للمتقي الهندي ج6 ص83 )



احتجاجه على الناس بحديث الغدير أيام خلافته

  نشد الامام علي جموع الناس في الكوفة في أيام خلافته فذكرهم بقول النبي له يوم غدير خم حيث قال :( من سمع رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏يقول يوم ‏ ‏غدير خم ‏ ‏إلاّ قام ,قال : فقام من ‏ ‏قبل ‏ ‏سعيد ‏ ‏ستة ومن ‏ ‏قبل ‏ ‏زيد ‏ ‏ستة فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله  ‏ ‏يقول ‏ ‏لعلي ‏ ‏يوم ‏ ‏غدير خم :‏ ‏اليس الله أولى بالمؤمنين قالوا : بلى ، قال : ‏اللهم من كنت ‏ ‏مولاه ‏ ‏فعلي ‏ ‏مولاه ‏، ‏اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ،) ‏( مسند أحمد بن حنبل , باب مناقب علي. أسد الغابة لابن الأثير ج 3 ص 307 , البداية والنهاية لابن كثير ج5 ص 210) .

أمتنع رهط من الصحابة المبغضين لعلي عن الشهادة في ذلك ومنهم  أنس بن مالك ,والبراء بن عازب, وجرير بن عبد الله. أدعى أنس بن مالك أنه  نسي قول النبي في غدير خم لكبر سنه وضعف ذاكرته , فدعا عليه الامام علي فأصابه البرص كما في الرواية الاتية:
 ( المشهور أنّ عليّاً ناشد الناس اللَّه في الرحبة بالكوفة فقال :أنشدكم اللَّه رجلاً سمع رسول اللَّه(ص) يقول لي وهو منصرف من حجّة الوداع: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه. فقام رجال فشهدوا بذلك، فقال علي  لأنس بن مالك: لقد حضرتها فما بالك؟ فقال: يا أميرالمؤمنين، كبرت سني وصار ما أنساه أكثر مما أذكره، فقال له: إن كنت كاذباً فضربك اللَّه بها بيضاء لاتواريها العمامة. فما مات حتّى أصابه البرص) ( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج19 ص 217) . ويروي كذلك صاحب شرح نهج البلاغة أن أنس في آخريات أيامه كان يقول أن البرص الذي أصابه كان من دعوة الامام علي  .
وذكر الاصبهاني فقال بأسناده عن عميرة بن سعد ( قال: شهدت علياً على المنبر ناشداً أصحاب رسول الله (ص) وفيهم أبو سعيد وأبو هريرة وانس بن مالك وهم حول المنبر وعلي على المنبر وحول المنبر اثنا عشر رجلا هؤلاء منهم فقال علي: نشدتكم بالله، هل سمعتم رسول الله  يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقاموا كلّهم، فقالوا: اللّهم نعم وقعد رجل فقال: ما منعك أن تقوم؟ قال: يا أميرالمؤمنين كبرت ونسيت، فقال: اللّهم ان كان كاذباً فاضربه ببلاء حسن، قال: فما مات حتى رأينا بين عينيه نكتة بيضاء لا تواريها العمامة)( حلية الأولياء للأصبهاني  ج5 ص26) والرجل  الذي نكر الحديث هو أنس بن مالك كما تبين . أما الرجل الاخر وهو البراء بن عازب ففقد بصره أيضاً !
دون البلاذري : (  قال علي على المنبر : نشدت الله رجلا سمع رسول الله يقول يوم غدير خم ( الله وال من والاه وعاد من عاداه) الا قام فشهد , وتحت المنبر أنس بن مالك , والبراء بن عازب , وجرير بن عبد الله , فأعادها فلم يجبه أحد فقال : اللهم من كتم هذه الشهادة وهو يعرفها فلا تخرجه من الدنيا حتى تجعل به آية يُعرف بها! . قال فبرص أنس , وعمي البراء , ورجع جرير أعرابيا بعد هجرته فاتى السراة فمات في بيت أمه بالسراة) ( أنساب الاشراف للبلاذري ج2 ص 386 باب كتب علي الى ولاته)
أكد الرواية الامام أحمد  فذكر حديث الاحتجاج ثم قال ( فقاموا إلا ثلاثة لم يقوموا فأصابتهم دعوته ) ( مسند أحمد بن حنبل ج1 ص119)
ورد كذلك في كتاب المعارف للدينوري أصابة أنس بن مالك بالبرص بسبب دعاء الامام عليه ( راجع المعارف لابن قتيبة ص 580, باب البرص) , وكذلك ذكر الدينوري أن البراء بن عازب كان مكفوفا ( اعمى) ( المعارف لابن قتيبة, ص 587, باب المكافيف). إن روايات التاريخ تبين أن البراء بن عازب لم يكن أعمى في سيرته وهذا يبين ان أصيب بالعمى في كبره.
هناك رواية تقول أن زيد بن أرقم كان أيضاً من الذين نكروا حديث الغدير في يوم الرحبة وهو قول فيه نظر ويقبل إحتمالات عدة , فزيد بن أرقم كان من رواة حديث الغدير فكيف ينكره  يوم الرحبة في الكوفة؟ إلا إذا ندم وتذكر الحق بعد أصابته بالعمى وهو الاصح . وفي ذلك ذكر ابن المغازلي  : (عن زيد بن أرقم، قال: نشد عليّ(ع) الناس في المسجد، قال: أنشد اللَّه رجلاً سمع النبيّ(ص) يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه. وكنت أنا ممن كتم، فذهب بصري) ( مناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص74)
وأخرج ابن أبي الحديد ( أن عليا نشد الناس من سمع رسول الله يقول : من كنت مولاه فعلى مولاه ؟ فشهد له قوم وأمسك زيد بن ارقم فلم يشهد, وكان يعلمها, فدعا علي عليه بذهاب البصر فعمي, فكان يحدث الناس بالحديث بعدما كف بصره) (عن هامش المناقب بقلم محقق الكتاب محمد البهبودي ونقله عن شرح ابن أبي الحديد ج1 ص 362).
ان احتجاج أمير المؤمنين على الناس بحديث الغدير في هذه المواقف دليل ساطع على أحقيته بالخلافة من غيره ,وعلى علو مكانته, وأن امامته وامارته هي بأمر المصطفى محمد (ص) الذي لاينطق عن هوى . فياله من مجد وشرف لم يناله سوى المرتضى علي, فهو مولى المؤمنين وامام المتقين بأمر السماء. لقد حاول الباغضون  طمس هذا الشرف فقالوا أن معنى الولي لايدل على الخلافة وقد تم تفنيد ذلك في فصول الكتاب الاولى. ان لقب الامام لم يناله سوى علي, وعلى الرغم من التحريفات والتأويلات لم يزل لقب الامام يقترن بأسم علي رغماً عن أنوف الباغضين , فلا نسمع من يقول الامام أبوبكر أو الامام عمر أو الامام عثمان لأن الثلاثة لم ينالوا لقب الامامة وإنما أنتحلوها أنتحالا, واخترع  الناس فيما بعد  لقب (سيدنا) ليلحقوه بأسماء الخلفاء تعويضاً لهم عن عدم نيل شرف لقب الامام.

 القرآن الكريم ينص على أن علياً مولى المؤمنين
يوماً في مسجد المدينة والامام علي في صلاته راكعاً , يدخل رجل فقير المسجد يسأل الصحابة مما أعطاهم الله فيحجم القوم ويتجاهلوه , لكن الامام  وهو في صلاته راكعاً يمد يده الى الفقير ويتصدق عليه بخاتمه, فيأخذه الرجل المحتاج ويمضي!. فتنزل آية في ذلك تشرف الامام علياً على الصحابة الذين كانوا في المسجد  وتُخلد للأجيال  كرم الامام اللامحدود ,  وكما أكد النبي (ص) أن الولاية في علي وكرر ذلك في أكثر من موضع ومنها في حديث غدير خم , فأن الاية القرانية التي أنزلت في قصة التصدق بالخاتم نصت على الولاية في علي كذلك : ( أنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) ( المائدة 55).  فياله من شرف لم ينله غير علي فهو أمير الذين آمنوا وأول المسلمين وبنص الاية الكريمة يكون وليهم ومولاهم . وفي تفسير الاية قال ابن كثير:
 ( عن إبن عباس قال : خرج رسول الله (ص) إلى المسجد والناس يصلون بين راكع وساجد وقائم وقاعد وإذا مسكين يسأل فدخل رسول الله  ، فقال : أعطاك أحد شيئاً ؟ ، قال : نعم ، قال : من ؟ ، قال ذلك الرجل القائم ,قال على أي حال أعطاكه ؟ ، قال : وهو راكع , قال : وذلك علي بن أبي طالب قال : فكبر رسول الله (ص) عند ذلك وهو يقول : من يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ، وهذا إسناد لا يقدح به). ويروي ابن كثير كذلك : ( حدثنا : غالب بن عبد الله أسمعت مجاهداً يقول : في قوله : إنما وليكم الله ورسوله ، الآية نزلت في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكع.) ( تفسير ابن كثير  ج 2 سورة المائدة). ومثله روى في تفسير الاية كل من السيوطي في الدر المنثور , الطبري في جامع البيان, القرطبي في الجامع لاحكام القرآن. 
أراد الباغضون لعلي  أن يرفعوا عنه هذا التشريف الالهي فأصطنعوا أن الاية نزلت في أبي بكر, ولكنهم عادوا قالوا أنها نزلت في علي كما في التفاسير اعلاه, هذه الآية الكريمة نص قرآني يبين أن الامام وولي المسلمين هو علي بن ابي طالب وبذلك يكون كل الذين أنتحلوا الخلافة ونحوا علياً عنها مغتصبين للخلافة مخالفين لنصوص القرآن.

علي وزير النبي (ص)
في كتب المسلمين المعاصرة تلك التي تتعلق بتاريخ الرسالة يلاحظ القارئ أن الكتبة يكررون أن الخليفة الاول ابوبكر كان مساعدا للنبي (ص) وأنه كان يتبعه كظله وأنه أقرب الناس للنبي, ويكتب بعضهم بتحمس أن أبابكر هو وزير النبي ومساعده , وأنه بمثابة النائب الاول له وغير ذلك مما يراه المسلم المعاصر في عالمه من أنظمة حكم في العالم فيقحم مايعرفه ويشاهده على تاريخ المسلمين ويترك خياله في أختلاق مزاعم  لاتمت لتاريخ سيرة النبي (ص) بصلة , ولكن ماذا يفعل الناس اذا كان الجهل قد غلف عقولهم فلايجدوا سوى واقع الحياة الذي حولهم فيستمدون من ذلك الواقع حوادثه وتقلباته ثم يقولون أن النبي محمد (ص) وأبابكر مثل الرئيس الفلاني ونائبه أو القائد الفلاني ومستشاره.  ان التاريخ الحقيقي في بطون كتب التاريخ بعيد عن متناول عوام الناس لانشغالهم بحياتهم اليومية وبأعمالهم وبتعقيدات الحياة المعاصرة ,ولذلك يطلقون لخيالهم العنان لسد الفراغ الثقافي الذي يعانون منه, فأخترعوا أن أبابكر كان مستشارا للنبي ووزيرا له بينما الحقيقة غير ذلك.  هذه كتب تاريخ سيرة النبي (ص)  لم تذكر أن أبابكر كان مستشارا للنبي أو وزيرا له , وأذا تعلق المعاندون بحوادث من هنا وهناك ليحكوا  حوارا دار بين النبي وبين أبي بكر ثم يقولوا أن هذا دليل على المنصب المهم لأبي بكر, فإن ذلك ليس بحجة لوجود حوادث وحوارات حدثت بين النبي وبين مسلمين آخرين من الصحابة, فليس لأبي بكر تلك الخصلة لوحده. لقد أهمل النبي قول أبي بكر وقول عمر في معركة بدر ولم يصغ لهما بل أستشار سعد بن عبادة فهل يستدعي هذا أن يكون سعد بن عبادة وزير النبي ؟ ( راجع معركة بدر واقتراحات الصحابة على النبي في حرب قريش في تاريخ الطبري والكامل لابن الاثير ومغازي الواقدي وغيرها). لايوجد نص قرآني أو حديث تشرف به  أبابكر أو عمر أو غيرهما من الصحابة بمنصب وزير النبي (ص) , فوزير النبي الاوحد ووصيه هو الامام علي بن أبي طالب وليس هناك من يشاركه في ذلك الشرف , وفيما يلي غيض من فيض نصوص تثبت ذلك:
قال النبي محمد (ص) في علي : ( اللهمّ أقول كما قال أخى موسي : اللهمّ اجعل لى وزيراً من أهلى ، عليّ أخي ، اشدد به أزري ، وأشركه فى أمري ، كى نسبّحك كثيراً ، ونذكرك كثيراً ، إنّك كنت بنا بصيراً ) ( النص عن موسوعة الامام للريشهري ج1 قسم 13 ونقله عن : فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل ج2 ص  678. تاريخ دمشق لابن عساكر ج42 ص 52. الرياض النضرة للطبري ج3 ص 118.).  
وقال النبي (ص) لعلي  ( : أنت أخى ووزيرى ، تقضى دَينى ، وتنجز موعدي ، وتبرئ ذمتي . فمن أحبك في حياة مني فقد قضي نحبه ، ومن أحبّك فى حياة منك بعدى ختم الله له بالأمن والإيمان ، ومن أحبك بعدي ولم ير ختم الله له بالأمن والإيمان وآمنه يوم الفزع الأكبر ، ومن مات وهو يبغضك يا علىّ مات ميتة جاهليّة يحاسبه الله بما عمل فى الإسلام )( موسوعة الامام للريشهري ج 11, وعن المعجم الكبير للطبراني ج12 ص 321) ,وقال (ص) كذلك : (يا علىّ ، طوبي لمن أحبّك وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذب فيك.)( موسوعة الامام علي للريشهري ج11 وكذلك عن  المستدرك علي الصحيحين ج3 ص 145. ، فضائل الصحابة لابن حنبل ج2 ص 680 ، مسند أبى يعلي  ج2 ص 259  ، تاريخ بغداد للبغدادي ج9 ص 72  ، تاريخ دمشق لابن عساكر :ج42 ص 281  ، المناقب للخوارزمى : ص 45, 71, 116, 126 ). 

هل أتى على الانسان حين من الدهر
 في يوم من أيام صيامه ومعه زوجته الزهراء فاطمة عليها السلام بنت محمد (ص) يتصدق الامام وزوجته  بفطورهما  لجوعى يسألون الناس,  ليقضوا ليلتهم جواعى بلا طعام , وكان طعامهم أقراص خبز وهبوها لاولئك للفقراء الذين سألوهم طعاماً! فنزلت فيهم سورة كاملة وهي سورة الانسان,  تبين للناس تلك العظمة التي بلغاها الامام وزوجته فتساميا فوق الحاجات البشرية ,وأرتقيا فوق الغرائز المادية ولم يؤثر بهما  الجوع  فأشبعوا السائل, لينالوا وجع الطوى ومعهم أولادهم الصغار , ولم تنزل سورة كاملة في أحد سوى في علي وفاطمة, فياله من بحر جود تعجز الاقلام عن سبر غوره ,وياله من كرم يخجل الكرام عند ذكر فضله , من يجاري هذا الجود والكرم ؟ ويالتعس من يدس ليطمس سطوع شمس آل بيت النبي, لقد حاول الباغضون -كما تقدم في تفسير القرطبي- أن يحرفوا فقالوا أن آية ( أنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) نزلت في الخليفة الاول أبي بكر ثم عادوا واعترفوا بمن انزلت وتضافرت التفاسير وكتب التاريخ في أنها نزلت في علي وحده , ثم تأتي هذه الحادثة لتؤكد ذلك الكرم اللامتناهي وتعضد خصلة الجود في الامام وأهله , فمن يعطي طعامه وهو في جوعه لغريب؟ وكيف اذا كان صائماً والساعة ساعة أفطاره؟ وتؤكد أغلب الروايات أن الحادثة تكررت ثلاثة أيام ففي ساعة فطور اليوم الاول يأتي مسكين فيجود آل بيت النبي عليه بما لديهم, وفي اليوم الثاني يأتي يتيم ساعة الافطار كذلك فيكرمه علي وزوجته بفطورهما كذلك, وفي اليوم الثالث يأتي أسير يسألهم طعاما فيفوز الاسير بنصيبه من الطعام ,ويفوز علي وفاطمة وأولادهم  بسورة قرانية كاملة تحكي ذلك الجود والبذل وهي سورة ( هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا.... ) ثم تذكر السورة ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيراُ , انما نطعكم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولا شكوراً). أن سورة الانسان الكريمة تتحدث عن مقام آل النبي في الاخرة فتقول ( فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نظرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً) فالاية نص رباني يبين أن هذه العائلة الطاهرة الكريمة مقامها في عليين في الاخرة , وعند مراجعة مامر به الامام علي ومامرت به الزهراء عليها السلام وما مر بهم أولادهما من عداء وحرب من المسلمين انفسهم, هل يبقى شك في قلب كل عاقل أن الذين حاربوا هذه العائلة  سينالوا عاقبة ظلمهم وعاقبة تهاونهم في غمط مقام هؤلاء الاطهار.
  لمجارات هذا الجود اللامتناهي وحسداُ لشرف علي في ذلك , زعم  بعض كتبة التاريخ أن الخليفة الثالث عثمان بن عفان جهز جيش العسرة وأتى بأموال طائلة للنبي(ص) فشكره النبي على ذلك وقال فيه على زعمهم ( ماضَرَّ عثمان مافعل بعدها) , إن الرواية في عثمان  تردها هذه السورة المباركة التي نزلت في علي وفاطمة , فتصدُق علي وفاطمة بفطورهما وهي أقراص خبز من شعير لجوعى يسألون الناس أدى الى نزول  سورة كاملة فيهم  , فما بال عثمان بن عفان لم تنزل فيه ولو آية واحدة تشكر له صنيعه بتبرعه بمال كثير لجيش العسرة كما يزعمون ؟
 وفيما يلي أثبات نزول سورة الانسان في علي وفاطمة
قال صاحب كتاب أسباب النزول  
( قوله تعالى( : ويطعمون الطعام على حبه مسكين ويتيماُ وأسيراً) قال عطاء ، عن إبن عباس‏ :‏ وذلك أن علي بن أبي طالب  نوبة أجر نفسه يسقي نخلاً ، بشيء من شعير ليلة حتى أصبح وقبض الشعير وطحن ثلثه فجعلوا منه شيئاً ليأكلوا يقال له : الخزيرة ، فلما تم إنضاجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام ثم عمل الثلث الثاني ، فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه ثم عمل الثلث الباقي ، فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه وطووا يومهم ذلك فأنزلت فيه هذه الآية‏.‏) ( كتاب أسباب النزول للواحدي النيسابوري , تفسير سورة الانسان ص 296) 
وقال السيوطي
(أخرج إبن مردويه ، عن إبن عباس في قوله : ويطعمون الطعام على حبه ، الآية ، قال : نزلت هذه الآية في علي بن أبى طالب وفاطمة بنت رسول الله (ص).)( تفسير الدر المنثور للسيوطي, تفسير سورة الانسان ج6 ص 299)
وذكر الشوكاني مثل ذلك فكتب عن آية ويطعمون الطعام : ( نزلت هذه الاية في علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله (ص) ( فتح القدير للشوكاني , سورة الانسان , ج5 ص 348)
وروى ابن أبي الحديد:
(وأما السخاء والجود : فحاله فيه ظاهرة ، وكان يصوم ويطوي ويؤثر بزاده ، وفيه أنزل : ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا ، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا) ( شرح نهج البلاغة  , ج1 ص 21)
ويروي كذلك  (وكان علي  صاحب قتال وإنفاق قبل الفتح ، أما قتاله فمعلوم بالضرورة ، وأما إنفاقه فقد كان على حسب حاله وفقره ، وهو الذى أطعم الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا ، وأنزلت فيه وفى زوجته وإبنيه سورة كاملة من القرآن)( شرح النهج لابن أبي الحديد  ج13 ص 276).
وأخيراً وعلى الرغم من أتفاق المصادر والروايات على أن السورة أنزلت في علي وزوجته فاطمة , لم يجد الباغضون حلاً سوى أنكار الرواية فزعموا أنها لم تنزل في علي وفاطمة! ومنهم أموي الولاء والهوى ابن كثير الدمشقي حيث يقول في الاية وسبب نزولها  : ( وهذا حديث منكر, ومن الائمة من يجعله موضوعا ويسند ذلك الى ركاكة ألفاظه ) ( السيرة النبوية لابن كثير الدمشقي ج4 ص 649). أستكثر ابن كثير هذه المنقبة على أمير المؤمنين فأنكر نزول الاية فيه على الرغم من أتفاق باقي المفسرين في أنها نزلت في علي. والعجيب أنه مع أنكاره نزول الاية في علي  لم يبين فيمن أنزلت الاية  ؟ فمن هو الذي يطعم الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا,؟ لاجواب عنده , ولاجواب لأمثاله . وأخيرا تنفذ محابر من حاول تسطير مناقب الامام علي وفضائله, فعذرا عن سرد المزيد.

دور المحرفين في تجريد الالقاب الربانية عن علي بن أبي طالب وإلصاقها بالاخرين
مثلما روج المحرفون أن ولادة الامام علي في الكعبة لم تكن له فقط كما تقدم ذكره, فأنهم كذلك سعوا في سرقة الالقاب الربانية لعلي وخلعها على غيره , فأنتحلوا لقب الصديق ولقب الفاروق ولقب أمير المؤمنين وزعموا أنها لم تكن لعلي!
لقب الصديق
أشتهر عند المسلمين وتآلفوا على أن لقب الصديق هو  للخليفة الاول أبوبكر , وأن لقب الفاروق هو للخليفة الثاني عمر بن الخطاب , ولقد تقدم ذكر تقول الخليفة الاول على النبي في سبيل تثبيت حكمه فزعم أن النبي قال ( نحن الانبياء لانورث مانتركه صدقة ) وبهذا النص المزعوم أستطاع تجريد فاطمة وعلي من مقاطعة فدك وتحقق له بذلك إفقار الامام علي وفاطمة وتعجيزهما عن معارضته في تولي الخلافة, وتبينت حجة  الزهراء (ص) في تكذيبها لحديث الخليفة , وتقول أبوبكر مرة أخرى مدعياَ أحقيته بالخلافة  فزعم ان النبي كان قد قال (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة) (راجع قصة السقيفة http://marwan1433.blogspot.ca/2013/07/blog-post_1145.html   ) , فكيف يكون الكاذب صدّيقاُ؟ وكيف يسميه النبي (ص) الذي لاينطق عن الهوى بلقب الصديق , والنبي عالم بما سيؤول الحال من بعده.
لقب الفاروق
أما لقب الفاروق الذي حفظناه في المدارس  وطفقنا نردد أن الفاروق هو عمر بن الخطاب ,فأنه زيف آخر من تزييف المحرفين.
فلقب الفاروق الذي الصقه القوم بعمر بن الخطاب يقول فيه المؤرخون غير ماهو متعارف عليه عند الناس , فقد تضافرت مصادر التاريخ على  أن لقب الفاروق أخترعه أهل الكتاب من اليهود وخلعوه على عمر ! وفيما يلي اثبات ذلك :( قال ابن شهاب بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر الفاروق وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم ولم يبلغنا أن رسول الله  ذكر من ذلك شيئا)( تاريخ الطبري ج2 ص562,  الطبقات لابن سعد ج3 ص 271,  تاريخ دمشق لابن عساكر  ج44 ص 51. )
وروى ابن الاثير في عمر : (وسماه النبي (ص) الفاروق ,وقيل‏:‏ بل سماه أهل الكتاب)( الكامل لابن الاثير , باب نسب عمر وصفته). تامل استدراك ابن الاثير , فهو يذكر أن النبي سماه الفاروق  ثم يستدرك ذلك بقوله أنه أهل الكتاب سموه كذلك. وهو تأكيد لما أورده غيره من المؤرخين. وسيأتي ذكر ذلك في نهاية فصل ( دور اليهود).
لقب أمير المؤمنين
انتحل عمر بن الخطاب في عهده لقب أمير المؤمنين  باقتراح من عمرو بن العاص , وروي أن الذي أقترح ذلك على عمر هو المغيرة بن شعبة ( اسد الغابة لابن الاثير ج 4 ص 173), فالرجلان عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة  خلعا لقب أمير المؤمنين على عمر , ويعلم ابن العاص وغيره أن أمير المؤمنين لقب منحه النبي (ص) لعلي وحده . إن الامامة منصب رباني لايناله الناس أعتباطاً ,فآيات الكتاب الحكيم تبين أن  الامامة  مجعولة لرجال معينين وانها هبة من الله لعباده لاينالها من يشتهي , تقول الاية :( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا و واوحينا اليهم فعل الخيرات ) (الانبياء 73.)  وكان لقب أمير المؤمنين تشريف من النبي (ص) لعلي بن ابي طالب, ولم يسم النبي أحداً من المسلمين بأمير المؤمنين سوى علي , فلايحق لأحد أن ينتحل ذلك اللقب ,لكن الذين خالفوا النبي في حياته صار أسهل عليهم مخالفته وهو في عالم آخر . فانتحلوا لقب الامامة كما أغتصبوا الخلافة نفسها وخلعوا على أنفسهم القاب علي الاخرى كالصديق والفاروق وعلى تلك التحريفات تعاقبت الاجيال.
الصديق والفارق وأمير المؤمنين ألقاب علي بن ابي طالب ولاتصح لغيره 
قال الامام علي: ( انا عبد الله وأخو رسوله, وأنا الصديق الاكبر لايقولها بعدي آلا كاذب , صليت قبل الناس لسبع سنين) (  السنن الكبرى للنسائي ج5 ص 106 , سنن أبن ماجة باب المقدمة في فضائل علي ,  شرح ابن ابي الحديد ج13 ص 228, تاريخ الطبري ج2 ص 56, الكامل لابن الاثير ج2 ص 57).
وقال النبي (ص) في علي: ( الصديقون ثلاثة حبيب بن مري النجار مؤمن آل ياسين, وخرتيل مؤمن آل فرعون , وعلي بن أبي طالب الثالث وهو أفضلهم) (  فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل , باب فضائل علي ). فتأمل كيف يحدد النبي (ص) للناس من هم الصديقون فيقول أنهم ثلاثة لاغير , كي لايأتي بعده من يخلع على نفسه لقب الصديق وينتحله انتحالاً. روى البلاذري: ( عن معاذة العدوية قالت : سمعت علياً على منبر البصرة يقول أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبوبكر وأسلمت قبل أن يسلم)( أنساب الاشراف للبلاذري ج1 ص146البداية والنهاية لابن كثير ج7 ص370 )
وروي الطبراني عن أبي ذر وعن سلمان قولهما : (أخذ رسول الله (ص) بيد علي ، فقال : إن هذا أول من آمن بي وهو أول من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصديق الأكبر ، وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل ، وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالم)( المعجم الكبير للطبراني ج6 ص 269,  كنز العمال  ج11 ص616, ذخائر العقبى للطبري ص56 ومابعدها).  ظلت الاجيال على جهلها بمقام أمير المؤمنين وحسبوا أن لقب الصديق والفاروق هي ألقاب الخليفة الاول والثاني ,وذنب ذلك يتحمله وعاظ السلاطين الذين يقفون بعناد مدافعين عن نصوص التزوير , ومثال على ذلك المؤرخ الذهبي الذي أنبرى وغيره في لي معاني الكلمات والاحاديث وتأويل ما يقدرون عليه في سبيل الحط من مقام علي بن أبي طالب وجعله أدنى في المقام من الخلفاء الثلاثة, أملاً في تجريده  من أحقيته بالخلافة, ولكن أنى لهم أخفاء ضوء الشمس ؟
النص الآتي يرويه الذهبي ولكنه لايستسيغه لبغضه للامام علي , فيقول أن ناقل الحديث (رافضي بغيض)! ويعني بذلك أن ناقل الحديث متشيع لعلي بن أبي طالب, فيا للعجب :
 (عن ابن عباس عن النبي(ص) : إنه قال : يا أم سلمة ، إن علياً لحمه من لحمى ، وهو بمنزلة هارون من موسى منى ، غير أنه لا نبى بعدى قال إبن عباس : ستكون فتنة ، فمن أدركها فعليه بخصلتين : كتاب الله ، وعلي بن أبي طالب ، فإني سمعت رسول الله (ص ) يقول وهو آخذ بيد علي : هذا أول من آمن بى ، وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو فاروق هذه الأمة ، يفرق بين الحق والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلمة ، وهو الصديق الأكبر ، وهو خليفتي من بعدى. )
الذهبي لايرضى أن ينال علي بن أبي طالب  هذا الفخر والمجد ولايقبل احاديث النبي (ص) في علي , فلا يجد سوى تضعيف الحديث والطعن في ناقله, فيقول أن
 ( داهر بن يحيى الرازي) ناقل الحديث( رافضي بغيض).! ( ميزان الاعتدال للذهبي ج2 ص 3). لقد نقل الرجل منقبة في الامام علي لم تعجب الذهبي فنعته بصفة الرفض , فتأمل.
مثلما لم يسلم علي بن أبي طالب من التشويه كذلك كان الحال لأبيه أبوطالب المسلم, عم النبي وناصره الأوحد في سنين الدعوة الاولى, فقد جعلوه كافراً مشركاً, ومثلما خُدعت الاجيال بكذبة ألقاب الصديق والفاروق وأمير المؤمنين وحسبوا أنها في غير علي, كذلك خُدعت الاجيال بقصة إشراك أبوطالب وكفره حتى صارت كحقيقة لاتقبل النقض. في نهاية الفصل ملحق فيه ذكر عن أيمان  أبي طالب .

دور المسلمين المحرفين في طمس ذكر علي في القرآن ودورهم في تشويه صورته
لقد ورد ذكر علي بن أبي طالب في مواضع كثيرة في كتاب الله ولم تخلو سور القرآن من ذكر صفته ومناقبه , ولو ذكُر ما أنزل من القرآن في علي وفي تفسير ذلك  لضاقت مجلدات عن ذلك, وكيف لا وهو أول المؤمنين وأمير المؤمنين , فكل آية في الكتاب الكريم فيها ( ياأيها الذين آمنوا...) فأن علياُ بن أبي طالب هو أول المعنيين بها, فهو رائد المؤمنين وأولهم. ذكر العلامة الحلي في كتابه (منهاج الكرامة) أكثر من أربعين آية قرآنية كريمة أثبت نزولها في الامام علي بن أبي طالب ,وأيد ذلك بالبراهين والاحاديث , ومثله أورد صاحب البحار  أكثر من سبعين منقبة أنفرد بها الامام علي عن غيره من بني البشر ( راجع بحار الانوار للعلامة المجلسي ج 31 ص 433) , وكذلك ورد في كتاب الخصال للشيخ الصدوق. وقد يقول قائل لماذا لم يُصرح القرآن الكريم باسم علي كما صرح باسم النبي محمد(ص), ونقول
 إن الباحث الجاد عن الحقيقة سيجدها حتماً ,ولو كان القرآن الكريم صرح بذكر علي وبأمامته لبطل الثواب والعقاب , فتُرك الأمر للناس في كل جيل كي يبحثوا ويحققوا حتى يتوصلوا للحقيقة. ففي كل جيل من اجيال الانسانية هناك معاناة وبحث وسبل للوصول للحقائق وهناك مشوهون ومحرفون يعملون في تخريب وصول الحقائق الى الناس فعلى الباحث الجاد ومن يهمه هذا الأمر أن لا يتقاعس فالطريق طويل ومشوب بالتيه. للسيد العلامة آية الله مرتضى الشيرازي بحث طويل في كتاب أسمه ( لماذا لم يصرح بأسم علي في القرآن) وفيه الجواب الشافي لمن يتسائل عن سبب عدم ذكر أسم علي تصريحا في القرآن الكريم, ولامجال لذكره في هذه العجالة.
ونقول لقد صرح القرآن الكريم بأسم النبي (محمد) ولكن هل ذلك أدى الى أيمان جميع الناس بنبوته؟ ان التصريح بذكر الامام علي حتى لايلتبس الامر على الناس كما يتحجج المطالبون , لن يجدي نفعا لمن أغلق عينيه وسد أذنيه وأعمى قلبه, فكما أنكر الناس نبوة محمد (ص) على الرغم من المعجزات والنبواءات الكثيرة فأنهم ببساطة سينكرون أمامة علي حتى ولو صرح القرآن بها , إن التعمق في دراسة القرآن الكريم بحثاَ عن شرعية الامامة سيوصل الباحث الجاد الى تلك الغاية, وليست الأمور بالتمني والتعنت, بل بالدراسة والبحث ,فلكل جيل ولكل انسان تحديات وإغواءات ومن ينتصر عليها يصل الى تمام الحقيقة, ومن يتقاعس متكاسلاَ فلن يصل الى الحقيقة حتى وإن كانت منصوصة , فتأمل.
هذه بعض مناقب الامام ولايمكن حصرها في وريقات قليلة فعذرا.
 سعى المحرفون والباغضون لعلي في تأويل الايات القرآنية حتى يمحو أنها نزلت  في علي , لكنهم عجزوا أن يشملوا الايات الكثيرة التي نزلت في ذكره وتشرف بها الامام لوحده رغما عن أنوفهم. فقد ورد أن معاوية بن أبي سفيان أعطى لسمرة بن جندب أربعمائة ألف درهم في سبيل ترويج تفسير الاية ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا  ويشهد الله على مافي قلبه  وهو ألد الخصام, واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد وأذا قيل له أتق ألله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) (سورة البقرة ,آية204 ومابعدها)  فزعم سمرة ابن جندب أنها أنزلت في علي , ثم أمره معاوية كذلك أن يروج أن آية ( ومن الناس من يشري نفسه أبتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد  )( البقرة 207) أنما أنزلت في عبد الرحمن بن ملجم قاتل الامام علي بن ابي طالب ( عن شرح النهج لابن أبي الحديد ج3 ص 73  ).
لقد وصل الامر بهم الى تحريف صفات علي الجسمانية كذلك في سبيل اظهاره للناس بمظهر دميم, فقالوا أنه بطين (كبير البطن), ونشروا أنه شديد السمرة وهي صفة غير مستحبة في المجتمع العربي الذي ينظر الى السود والسمر نظرة تعالي. ليس عيبا في الخلقة أن يكون الانسان أسودا أو أحمرا فقد ساوى الدين بين الناس في ذلك, ولكن طلقاء قريش الذين لم يدخل الايمان في قلوبهم بقيت حميتهم حمية الجاهلية ,وكان من مفاهيم الجاهلية التعالي على السود من خلق الله ,فكان السواد عارا في الانسان يحمله حتى مماته, وبهذا المفهوم الجاهلي لصقوا صفة السواد بأمير المؤمنين ,لكن الحقائق التاريخية تبرهن غير ذلك وسيأتي ذكرها. أما البطنة (كبر البطن) فهي لاتوافق علي وفروسيته وبأسه في الحروب ,ولا تتماشى مع زهده في الاكل وصومه ,ولاندري كيف يكون الرجل بطينا (كبير البطن) إذا كان جل وقته صائماً أو قائماً أو محارباً, فارساً كان أو راجلاً ؟ لقد الصقت الدعاية الاموية هذه الخصلة في علي وروجوا أنه كان عظيم البطن. بينما الحقائق التاريخية ترينا أن عظيم البطن هو معاوية الاموي عدو علي ومحاربه في صفين. فقد كان معاوية عظيم البطن لايشبع من أكل ويروى أنه كان يأكل سبع أكلات في اليوم وفي كل وجبة كان اللحم سيد طعامه ,وكان يقول أنه لايشبع من أكل ولكنه يعيى (يتعب) , أي أنه يتوقف عن الاكل لا عن شبع ولكن عن تعب من الاكل ( راجع البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي ج 6 ص 189). ويروي مسلم في صحيحه أن النبي (ص) طلب معاوية يوماً فقالوا له أنه يأكل, ثم طلبه ثانية وذهب ابن عباس اليه فوجده لم يزل يأكل ثم طلبه النبي (ص) ثالثة فقالوا له أنه لايزال في أكله , فدعا النبي (ص) عليه وقال : لا أشبع الله بطنه!) ( نص الحديث عن كتاب البطين معاوية  للعلامة الطائي , ونقله عن صحيح مسلم باب البر والصلة, كتاب انساب الاشراف للبلاذري ج 1 ص 532, شرح النهج ج1 ص 365, البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص 119) . لايلقي النبي (ص) الكلام على عواهنه فهو الذي قال فيه الحق تعالى ( لاينطق عن الهوى) , فكلام النبي في معاوية ذمُ واضح لكل ذي عينين , وقوله (ص) : لا أشبع الله بطنه. من معجزات القول فمعاوية ظل طوال عمره يأكل ولايشبع ومن كان حاله كذلك لابد أن يكون بطنه كبيراً.
وقال علي في معاوية مايلي : (سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم , مندحق البطن يأكل مايجد ويطلب مالا يجد فاقتلوه ولن تقتلوه.) (  شرح النهج لابن أبي الحديد ج 4 ص 54) ونقول أن هذه من نبواءات المصطفى محمد (ص) يؤكدها الوصي علي في قوله هذا, فقد قال النبي محمد (ص) في معاوية يوماُ : ( أذا رأيتم معاوية على منبري فأقتلوه)( كتاب البطين معاوية للعلامة الطائي ص 58 , وعن تاريخ لطبري ج 8 ص186), وقول علي في معاوية أنه ( مندحق البطن) دليل على كبر بطن معاوية واشتهار ذلك بين العرب , ولو كان الامام علي كبير البطن كما يزعمون لما كان يُعير الاخرين بما فيه , ولم يكن الامام علي من الذين يعيرون الاخرين بصفاتهم الجسمانية ! اشتهر معاوية بكبر بطنه فقيل أنها كانت تقعد على فخذيه وفيه يقول الشاعر : وصاحب لي بطنه كالهاوية كأن في أحشائه معاوية ( شرح النهج ج4 ص 54). وقال عبد الله بن بديل بن ورقاء شعرا في معاوية في موقعة صفين :
(أضربكم ولا أرى معاويهْ الأبرجِ العين العظيم الحاويهْ)( مناقب آل ابن طالب ج2 ص 257 ) , عظيم الحاوية تعني عظيم البطن.

لقد استطاع معاوية بعد توليه الحكم أن يقلب الاوصاف فجعل من أوصاف أمير المؤمنين علي كبر البطن ودمامة الخلقة, فنسي الناس كبر بطن معاوية ,ورُوجت دعاية كبر بطن الامام علي بن أبي طالب . لقد سعى معاوية بكل وسيلة للحط من مقام الامام علي بن أبي طالب حتى وصل الامر به أن أمر ولاته وخطباء المساجد في عهده بسب الامام علي على المنابر , ومن يأمر الناس بسب الامام علي فأنه يفعل ماهو أشنع من ذلك في سبيل الحط من الامام وفي سبيل تشويه صورته, وسيأتي قانون سب الامام علي  في فصل ( أمية , باب معاوية) . الرواية الاتية تبين سعي عمرو بن العاص صاحب معاوية  في تشويه صورة الامام علي  , وكيف لايفعل وهو  الذي فرَّ من علي في ساحة الحرب  بكشف عورته كما تقدم ذكره, ونال بذلك عاراً تحدث به الشعراء. ان عمرو بن العاص هذا مزق ما كتبه خادم لعلي في أوصاف علي بن ابي طالب ووضع بدل ذلك ما يحلو له ! روي ابن شهرآشوب في المناقب أن عمرو بن العاص لما قرأ ماكتبه ثبيت خادم الامام في أوصاف علي مزق الورقة وكتب غيرها وكما يلي : (فأخذها عمرو بن العاص ، فزمّ بأنفه فقطّعها ، وكتب : إنّ أبا تراب كان شديد الاُدمة ، عظيم البطن ، حمش الساقين ، ونحو ذلك ، فلذلك وقع الخلاف فى حليته) ( النص عن موسوعة الامام علي للريشهري نقلا عن كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص 306) 
 ونقول إن عمرو بن العاص وضيع في أصله  فأمه خولة الملقبة بالنابغة كانت من البغايا صاحبات الرايات في مكة , ولايحسد الشريف الا الوضيع (ستأتي سيرة عمرو في فصل أعداء النبي), فجعل عمرو من صفات علي السواد ,وسواد البشرة لايتقبلها  المجمتع العربي ذو المفاهيم الجاهلية المقيتة , ولازالت مجتمعات العالم المعاصرة تعاني من عقدة السواد وتفوق البياض عليها وبالأخص في مجتمعنا العربي الحاضر. فعقدة دناءة الاصل التي حملها عمرو بن النابغة وضعها على عدوه الامام علي فقال فيه أنه شديد الادمة  وأضاف اليها عظيم البطن, فتأمل. . بالاضافة الى صفات كبر البطن وسواد الوجه ألصقت آلة التحريف الاموية صفات أخرى بالامام علي بن أبي طالب ,فقد جعلوه قصيراً أصلعاً حمش الساقين (دقيق الساقين), وفي بعض الروايات قالوا أن له سنام كسنام الثور وهو كناية عن الاحديداب في الظهر وتقوسه, ثم قالوا أن عظامه تبدو وكأنها قد كسرت ثم جُبرت وبتعبير معاصر جعلوا منه رجلاً مشوهأ.  في النص الاتي وصف للأمام علي وبمقارنة هذا النص مع ماقاله معاوية وانصاره يتبين  كذب المدلسين : (كان ربعة من الرجال أدعج العينين عظيمهما , حسن الوجه كأنه قمر ليلة البدر , عظيم البدن , عريض ما بين المنكبين , لمنكبه مشاش كمشاش السبع الضاري, لايبين عضده من ساعده قد ادمج أدماجاُ, شثن الكفين عظيم الكراديس, أغيد كأن عنقه إبريق فضة, أصلع ليس في رأسه شعر إلا من خلفه , كثير شعر اللحية , وكان لايخضب, وكان اذا مشى تكفأ , شديد الساعد واليد , وإذا مشى الى الحرب هرول) (  النص عن كتاب البطين معاوية للعلامة الطائي ص 48, والمصدر الاولي كتاب ذخائر القربى ص 57, وذكر بعض صفاته ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 7 ص 338, وكذلك طبقات ابن سعد ج2 ص26) . تأمل أنه لاوجود لكبر البطن, فالمحرفين حرفوا ( عظيم البدن) وكتبوا محلها (عظيم البطن) . ولاندري أن الذي عنقه كأبريق فضة كيف يكون ( شديد الأدمة ) كما كتب الوضيع عمرو بن العاص. أما صفة الصلع التي يرددها أنصار بنو أمية فلاندري من أين أتوا بها وفي المصادر أنه كان أبيض الرأس واللحية ومنها فيما يلي حيث يصفه ابن عساكر( كان علي أبيض الرأس واللحية أجلح ضخم أبيض ربعة ) (البطين معاوية للعلامة الطائي ص 59 وعن تاريخ دمشق لابن عساكر ج42 ص 21). (الأجلح) هو الذي ينحسر شعره عن جبهته فليس هو بالاصلع! ذكر ابن عساكر:(رأيت عليّاً له وَفْرة، وكان من أحسن الناس وجهاً)( تاريخ دمشق لابن عساكر ج42 ص 25) . والوفرة هي غزارة الشعر ووصوله الى شحمة الاذن, قال ابن منظور في معنى الوفرة : (الوفرة الجُمَّة من الشعر إذا بلغت الاذنين , وقد وفرها صاحبها, وفلان موفور الشعر) ( لسان العرب لابن منظور) .  
وقيل في وصف الأمام مايلي :(انصرف على من صفّين وكأنّه رأسه ولحيته قطنة ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ، لو غيّرت ، فقال : إنّ الخضاب زينة ، ونحن قوم محزونون).( موسوعة الامام للريشهري ج1 ص 90 ونقله عن كتاب نثر الدر ج1 ص 307, الرياض النضرة للمحب الطبري ج3 ص 108) , تأمل أن النص يتكلم عن إنصراف الامام من معركة صفين وفي تلك السنة أستشهد الامام علي ,  إذن الواصف نقل لنا صورة الامام وهو في آخريات أيامه حيث يقول: ( وكأنه رأسه ولحيته قطنة) ,ويعني هذا أن الامام له شعر وليس أصلعاً ,فلو كان أصلعا لقال الواصف ( وكأن لحيته قطنة ) لكنه قال وكأنه رأسه ولحيته قطنة كناية عن بياض لحيته وشعره . وورد  في شرح ابن أبي الحديد سؤال القوم لعلي عن سبب عدم تغيير شيبه فقال :(إن الخضاب زينة ونحن في مصيبة ), ويعني بالمصيبة فقده لرسول الله (ص) ولفاطمة عليها السلام . فلو كان الامام علي اصلع الرأس لما وصفه الواصفون بأنه أبيض الرأس واللحية! فكيف يكون أبيض الرأس ان كان أصلعاً؟
إن قول ابن عساكر الذي تقدم آنفا: ( ضخم أبيض ربعة) دليل على كذب معاوية وصاحبه عمرو بن النابغة  الذين روجا أن عليا كان شديد الادمة قصيراً! ذكر ابن الاثير ( كان علي فوق الربعة, وكان ضخم عضلة الذراع دقيق مستدقها, ضخم عضلة الساق دقيق مستدقها, وكان من أحسن الناس وجها,  لايغير شيبه كثير التبسم ) ( الكامل لابن الاثير ج2 ص440). والربعة هو الرجل الذي أطول من القصير واقصر من الطويل فهو أطول من متوسطي الطول لكنه ليس بالطويل.
إن نظرة بسيطة على الشجرة العائلية للأمام علي بن أبي طالب يرينا جمالاُ مشهوراُ في أجداده وأقاربه فجده عبد مناف كان مشهوراُ بجماله فكانت قريش تسميه قمر البطحاء, (وكان يقال لهاشم والمطلب البدران لجمالهما)( الكامل لابن الاثير ج1 ص554 ,باب قريش قبل الاسلام) أما ابن عمه وهو النبي محمد (ص) فكان أبيضاً مشوباً بحمرة وفي النبي (ص) يقول عمه أبوطالب  ( وأبيض يستسقى الغمام بوجه... ثمال اليتامى عصمة للارامل)(  عن أشعار أبوطالب في سيرة ابن اسحاق وابن هشام) .  أما عم الامام علي وهو عبد العزى والذي يلقب بأبي لهب فقد كان أبيضا مزهراً أحمراً ومن ذلك سماه العرب أبا لهب لأحمرار وجه وازهراره. فمن أين أتت صفة ( شديد الأدمة) ( أسود اللون) التي زعمها عمرو بن العاص وروجها حتى أشتهرت. أما اولاد الامام علي فكانوا مشهورين بالجمال فهذا ابنه العباس كان يسمى بقمر بني هاشم لبياضه وجماله, وكذلك كان الحسن والحسين . فلاندري ماذا يقول علماء الوراثة في رجل أشتهر أباؤه وأولاده بالبياض والجمال أما هو فقد زعم المحرفون أنه شديد الادمة ( أسود اللون).

حدا يوماً الشاعر المخضرم النابغة الجعدي وكان من شيعة الامام علي فقال من بحر الرجز شعراً :
قد علم المصران والعراق
أن عليا فحلها العتاق
أبيض جحجاح له رواق
وأمه غالى بها الصداق
أكرم من شد به نطاق(  ديوان النابغة الجعدي, الكامل لابن الاثير , باب صفين .  أنساب الاشراف ج2 ص 104 باب صفين . الاغاني للأصفهاني , باب ذكر النابغة الجعدي وأخباره) والجحجاح هو السيد الكريم ( راجع لسان العرب لابن منظور) , أما قوله أبيض جحجاح فهو دليل جلي على بياض بشرة الامام علي .

صبر الامام على ضياع الخلافة  وزهده  فيها
 لقد صبر الامام على ظلم الذين أغتصبوا الخلافة منه ليس من ضعف , انما حرصا على بيضة الدين فهو الذي يقول في خطبة له (فرأيت أنّ الصبر علي هاتا أحجَى ، فصبرت وفى العين قذى ، وفى الحلق شجاً ، أري تُراثى نَهباً ، حتي مضي الأوّل (ابوبكر) لسبيله ، فأدلي بها إلي فلان (عمر) بعده
شتان ما يومي على كورها ويومُ حيّان أخي جابر
فيا عجبا, بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته, لشدَّ ما تشطرا ضرعيها) (الخطبة الشقشقية في نهج البلاغة).!
إن الخليفة الاول أستقال من خلافته يوماً بقوله ( اقيلوني) وقد تقدم ذكر ذلك , لكنه لم يلبث قبل مماته أن أوصى بها لعمر بن الخطاب وهذا ماعناه الامام في خطبته , فكيف يستقيل من الخلافة ثم يعود اليها ويأمر صاحبه بتوليها ؟ هذه العبارة  في الخطبة تبين دأب قريش في إبعاد الامام علي عن الخلافة .
وفي رسالة له لأهل مصر بعثها مع صاحبه المخلص مالك بن الاشتر النخعي يبين الامام علي  شيئا عن أغتصاب الخلافة منه وموقفه من ذلك اليوم العصيب ومواقفه بعد ذلك  فيقول  : ( أما بعد فإن الله سبحانه بعث محمداً نذيراً للعالمين ومهيمناً على المرسلين، فلما مضى تنازع المسلمون الأمر من بعده، فوالله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر ببالي أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده عن أهل بيته ، ولا أنهم منحوه عني من بعده ، فما راعني إلا انثيال الناس على فلان (أبي بكر) يبايعونه ، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام ، يدعون إلى محق دين محمد‘، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله ، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً ، تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم ، التي إنما هي متاع أيام قلائل ، يزول منها ما كان كما يزول السراب ، أو كما يتقشع السحاب . فنهضت في تلك الأحداث ، حتى زاح الباطل وزهق ، واطمأن الدين وتنهنه )( نهج البلاغة , باب كتبه لولاته على الأمصار. الامامة والسياسة للدينوري ج1 ص133, الغارات للثقفي ج1 ص307)  
أغتصبت الخلافة من علي يوم السقيفة وترك المسلمون النبي (ص) على فراشه وخرجوا يتنازعون على الخلافة , ثم لم تلبث السيدة فاطمة عليها السلام ان تلحق بأبيها بعد أعتداء القوم عليها كما تقدم, لكن الامام صبر على كل ذلك, فياله من صبر إذا عرفه  صاحب كل بلوى ومصيبة هانت مصائبه.  يكتب الامام لأخيه عقيل يوماً كتاباً في بعض أسطره يبث شكواه وظلم العرب وقريش له فيقول : ( فدع عنك قريشا وتركاضهم في الضلال ، وتجوالهم في الشقاق ، وجماحهم في التيه ، فإنهم قد أجمعوا على حربي إجماعهم على حرب رسول الله قبلي ، فجزت قريشا عني الجوازي ، فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن أمي) ( رسائل الامام , نهج البلاغة).
ويقول كذلك: (اللهم إني أستعديك على قريش ، فإنهم أضمروا لرسولك  ضروبا من الشر والغدر ، فعجزوا عنها ، وحلت بينهم وبينها ، فكانت الوجبة بي والدائرة علي ، اللهم احفظ حسنا وحسينا ، ولا تمكن فجرة قريش منهما ما دمت حيا ، فإذا توفيتني فأنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد) ( عن نهج البلاغة)
لقد كانت الخلافة له بنص النبي (ص) وتلك أمانة نيط بها الامام, فصبر حزنا على غدر الناس به وخيانتهم لرسول الله (ص), فلم يكن حزنه وهمه بسبب ضياع الخلافة منه وطمعا بالسلطة والرياسة وكيف يطمع وهو أزهد الزاهدين؟ فهو القائل في وصف الدنيا انها عنده أهون من عفطة عنز!
( أما والذي فلق الحبة , وبرأ النسمة , لولا حضور الحاضر , وقيام الحجة بوجود الناصر, وما أخذ الله على العلماء ألا يُقاروا على كظة ظالم , ولاسغب مظلوم, لألقيت حبلها على غاربها ,ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دُنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز) ( نهج البلاغة, ج1 الخطبة الشقشقية ) . إن همه في ضياع الخلافة هو هم على المظلومين من الناس وهم على تحريف الدين ,وعلى مسؤولية ربانية كانت في عنقه خلعها عنه الطامعون والراكضون خلف سراب الدنيا الزائل. وليس كما يتصور بعض قاصري الفهم أن هم الامام كان كرسي الخلافة الذي أُزيح عنه , فما يفعل رجل رباني مثله بحطام دنيا فانية ؟  يكتب الامام أيام خلافته  الى عامله على البصرة عثمان بن حنيف - وقد مر بنا مافعل طلحة والزبير وعائشة بالصحابي عثمان بن حنيف  قبيل معركة الجمل - يقول الامام : ( ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدى به ، ويستضىء بنور علمه ، ألا وإنّ إمامكم ( يعني نفسه) قد اكتفي من دنياه بطِمرَيه ( الطمر هو الثوب الخرق البالي ) ، ومن طُعمه بقُرصَيه ( كناية عن قرص الخبز) ، ألا وإنّكم لا تقدرون علي ذلك ( أنكم لاتقدرون على هذا الزهد) ، ولكن أعينونى بورع واجتهاد ، وعفّة وسداد . فوَ الله ما كنزتُ من دنياكم تِبراً( التبر هو الذهب قبل سباكته) ، ولا ادّخرتُ من غنائمها وَفْراً( لم أوفر لنفسي شيئا) ، ولا أعددتُ لبالى ثوبى طِمراً بلى ! كانت فى أيدينا فدك ( فدك قطعة الارض التي أغتصبها الخليفة الاول من فاطمة وعلي وجردهما منها حتى يكونا في فقر وضعف ,وقد تقدم ذكر ذلك في قصة السقيفة في باب تثبيت الحكم) من كلّ ما أظلّته السماء ، فشَحّت ( بخلت) عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس قوم آخرين ، ونِعْمَ الحكمُ الله . وما أصنعُ بفدك وغير فدك ، والنفسُ مظانُّها فى غد جَدَث ( قبر) ، تنقطعُ فى ظلمته آثارها ، وتغيبُ أخبارها ، وحفرةٌ لو زِيدَ فى فُسحتها ، وأوسعت يَدا حافرها ، لأضغطها الحجر والمدر ، وسَدّ فُرجها التراب المتراكم .وإنّما هى نفسى أروضها بالتقوى لتأتى آمنةً يوم الخوف الأكبر ، وتثبتُ علي جوانب المزلق. ولو شئتُ لاهتديتُ الطريق إلي مصفّي هذا العسل ، ولُبابِ هذا القمح ، ونَسائج هذا القزّ ، ولكن هيهاتَ أن يغلبنى هواى ، ويقودنى جشعى إلي تَخيّر الأطعمة ، ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له فى القرص ، ولا عهد له بالشبع ، أو أبيت مبطاناً وحولى بُطونٌ غرثي وأكبادٌ حرّي ، أو أكون كما قال القائل:
 وحَسبُكَ داءً أن تَبيتَ بِبِطنة وحَولُك أكبادٌ تَحِنُّ إلي القِدِّ
أقنع من نفسى بأن يقال : هذا أمير المؤمنين ، ولا اُشاركهم فى مكاره الدهر ، أو أكون اُسوةً لهم فى جشوبة العيش ! ( تأمل أن هم الامام الاولي هو مظلومية الناس وفقرهم ) فما خُلقتُ ليشغلنى أكل الطيّبات ، كالبهيمة المربوطة ; همّها علفها ، أو المُرسَلة ; شغلها تَقمُّمها ، تكترش من أعلافها ، وتلهو عمّا يُراد بها ، أو اُترك سديً ، أو اُهمل عابثاً ، أو أجرّ حبل الضلالة ، أو أعتسفُ طريق المتاهة . إليكِ عنّى يا دنيا ، فحبلكِ علي غاربكِ ، قد انسللتُ من مخالبكِ ، وأفلَتُّ من حبائلكِ ، واجتنبتُ الذهاب فى مداحضِك ، أين القرون الذين غَررتِهم بمَداعبك ! أين الاُمم الذين فتنتِهم بزَخارفكِ ! فها هم رهائن القبور ، ومضامين اللحود .) ( من رسالة الامام الى عثمان بن مظعون , نهج البلاغة) . ويقول في وصف الدنيا وتكالب الناس عليها :
(اقبلوا على جيفة افتضحوا باكلها واصطلحوا على حبها، ومن عشق شيئاً أعشى بصره وأمرض قلبه، فهو ينظر بعين غير صحيحة ويسمع باذن غير سميعة، قد خرقت الشهوات عقله وأماتت الدنيا قلبه وولهت عليها نفسه، فهو عبد لها ولمن في يده شيء منها)( نهج البلاغة، ج1، ص211)
يالها من بلاغة وكلمات تصور زهد الامام في الدنيا وتبين سبب همه بضياع الخلافة عنه , فهمه الاكبر كان رد المظالم للمظلومين وأقامة الدولة كما بينها له النبي (ص), فلما لم يقدر على ذلك لتآمر المتآمرين شكى لأصحابه المخلصين همومه بضياع الحق وغلبة الباطل. ويقول كذلك في زهده: (لو اعطيت الاقاليم السبع بما تحت افلاكها على أن اعصي الله في نملة اسلبها جلب شعيرة ما فعلت وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها ) (نهج البلاغة، ج2، ص218)
إن تهميش الامام ومحاصرته لمدة ربع قرن من زمان( وهي فترة حكم الثلاثة) كان أليماً ثقيلاً على هذا العالم الرباني الذي لم يخطأ في فتيا ولم يعيا في جواب , فقد شاهد وعاصر ما فعل المتآمرون بعد رحيل النبي فلم يقدرعلى تغيير وكيف وهو واحد ومعه قلة مستضعفة من الرجال كأبي ذر والمقداد وعمار وسلمان .


علم الامام
أنبأ النبي محمد (ص) علياً  بأنه سيقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين ,وتحققت تلك النبوة في عهده فقاتل عائشة وطلحة والزبير في موقعة الجمل , ثم قاتل معاوية وحزبه في صفين, ثم قاتل الخوارج في النهروان. كان الامام يصرح مذكراً بتلك النبواءات : (والله لو شئت أن اخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت ولكن اخاف أن تكفروا فيّ برسول الله(ص) وإني مفضيه إلى الخاصة ممن يؤمن ذلك منه. والذي بعثه بالحق واصطفاه على الخلق ما انطق إلا صادقاً. وقد عهد اليّ بذلك كله وبمهلك من يهلك ومنجى من ينجو ومآل هذا الأمر. وما ابقى شيئاً يمر على راسي إلا افرغه في أذني وأفضى به الي)) نهج البلاغة  ج2، ص89-90)
مثلما نبأ النبي علياُ بما سيؤول الحال من بعده فأنه بشره بالشهادة كذلك  وغذاه بالعلوم والمعارف فكان علي يقول (علمني رسول الله ألف باب من العلم, واستنبطت من كل باب ألف باب) (عن نهج البلاغة ) ,لقد احتضن النبي عليا منذ صغره, ففي سنوات قحط أصابت مكة وماحولها أعان العباس والنبي محمد(ص) أبا طالب على تربية أولاده, فأخذ العباس عنده جعفر بن أبي طالب  ليخفف عن أخيه أبوطالب, ومثله فعل النبي الكريم (ص) فأخذ علياً من عمه أبي طالب, فأقام علي في بيت محمد (ص) ينهل من نور النبوة ويتعلم العلوم الربانية , فكان علي بمثابة ابن للمصطفى محمد (ص), فتأمل كيف سينشأ من يعيش في بيت خاتم الانبياء والرسل ! وفي ذلك يذكر عليا الناس بنشأته فيقول: (أنا وضعت في الصغر بكلاكل العرب، وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر وقد علمتم موضعي من رسول الله(ص) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة. وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره ويكنفني إلى فراشه ويمسني جسده ويشمني عرفه وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل. ولقد قرن الله به(ص) من لدن أن كان فطيماً اعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن اخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر امه يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به. ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله(ص) وخديجة وأنا ثالثهما. ارى نور الوحي والرسالة واشم ريح النبوة. ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه(ص) فقلت يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال هذا الشيطان آيس من عبادته، انك تسمع ما اسمع وترى ما ارى إلا انك لست بنبي ولكنك وزير وانك لعلى خير...)( نهج البلاغة، ج2 ص157-158). ونقول تعست الأمة التي تفضل عبدة الاصنام وشيوخا نشأوا في جاهلية ترعرعوا فيها وتشربوا بمفاهيمها على علي بن أبي طالب , لقد مرت بنا خطلات وهفوات الخلفاء الثلاثة وضيق معرفتهم بعلوم الدين والدنيا, فلا محل للمقارنة بين عظمة الامام علي و ضآلة الاخرين وقماءتهم.
 لم يعرف التاريخ ولن يعرف رجلا  مثل علي الذي يقول:
( سلوني قبل أن تفقدوني، فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو سألتموني عن آية آية لأخبرتكم بوقت نزولها، و فيم نزلت، و أنبأتكم بناسخها من منسوخها، و خاصها من عامها، و محكمها من متشابهها، و مكيها من مدنيها، و الله ما من فئة تضل أو تهدي إلا و أنا أعرف قائدها و سائقها و ناعقها, فو الله لا تسألوني عن شي‏ء إلا أخبرتكم، و سلوني عن كتاب الله، فو الله ما من آية إلا و أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل).( خطب نهج البلاغة للأمام). لم يقل هذه المقولة أحدا قبله من الناس ولم يقلها سوى بنوه الذين نهلوا العلم منه, فالأمام لايتحدث في خطبته عن الدين وتعاليمه فقط , أنما يقول : لا تسألوني عن شئ الا أخبرتكم , فكيف تنجو أمة حرمت خير الناس من نيل الخلافة وأبعدته عنها بالمؤامرات والحروب والمكر والخداع؟
على الرغم من عزل الامام علي عن الحكم في زمن الخلفاء الثلاثة فأنهم لم يجدوا محيصاً من مشاورته وسؤاله , وكان الامام يؤدي أمانة ذلك مع علمه ويقينه بأنه الاولى بالريادة والخلافة ,لكنه صبر على ذلك فلو قام معارضاً مطالباً بحقه لقتله القوم وبقتله يكون دين محمد دُفن الى الابد , وقد تقدم ذكر إجباره على بيعة الخليفة الاول وتهديد القوم له بالقتل, فصبر على أجحاف حقه ومكانته في سبيل الدين . لقد استمتع الخلفاء بمجد كاذب وكُتبت لهم المناقب حتى ظن الناس أنهم من قام بها , لكن الفضل في ذلك يعود الى الامام علي الذي كان يشير ويوجه مايقدر عليه عندما يسألونه, ومن ذلك مثلاً العمل بالتاريخ الهجري ! فقد أمتلأت الكتب بذكر أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب كان من أستحدث العمل بالتاريخ الهجري وحفظنا ذلك في المدارس وردد خطباء الجوامع في البلاد تلك الكذبة التاريخية, وخلعوا على عمر لقب العبقري . إن تصفح التاريخ يظهر غير ذلك, فاستحداث التقويم الهجري كان من صنع الامام علي:
( عن سعيد بن المسيب قال : جمع عمر الناس فسألهم : من أىّ يوم يكتب التأريخ ؟ فقال على ّبن أبى طالب : من يوم هاجر رسول الله وترك أرض الشرك . ففعله عمر) ( النص عن موسوعة الامام لمحمد الريشهري ج3 ونقله عن كتاب  المستدرك على الصحيحين ج3 , تاريخ الطبري ج1 ص9, تاريخ المدينة لابن شبة  ج2)
وقال اليعقوبي :(  جمع عمر الكتب ، وأراد أن يكتب التأريخ منذ مولد رسول الله ، ثمّ قال : من المبعث . فأشار عليه علىّ بن أبى طالب أن يكتبه من الهجرة ، فكتبه من الهجرة) ( موسوعة الامام للريشهري ج3 , تاريخ اليعقوبي ج2 ص 145, البداية والنهاية لابن كثير ج7 ص 74)
وهناك الكثير ممن قام به الامام في عهد الخلفاء الثلاثة وهو في عزلته فقد كانوا يأتونه يسألونه في كثير من الامور فيجيبهم ليأخذوا فضيلة علمه , وقد اشتهرت مقولة الخليفة الثاني عمر : ( لولا علي لهلك عمر ) وغيرها, وذلك دليل على استشارتهم للامام في معضلات الأمور. أما في البدع ومستحدثات الامور وتحريف الدين فقد بقى الامام في عزلته يعلم أصحابه وشيعته المخلصين حتى جاء أوان حكمه, فلما أراد تغيير ما فعل قبله قام الغوغاء عليه.
لقد جمع هذا الانسان العظيم من العلم والاخلاق والمعارف والبطولات  مالم يستطع أن يجمعه جمع غفير من الناس , فالقارئ لخطبه وحكمه ومواعظه يحسب أن هذا الرجل لايفارق الكتب والقراطيس ولابد أنه نشأ في بيت يعنى بالادب والشعر والنثر فقط, فلا أحد  يأتي بهذه الحكم والمواعظ  الا المعزول عن الناس المعتكف في غرفته الذي لاشغل له سوى الكتابة, يكتب ويمحي ويقرأ ويصحح عبارته كي تخرج بذلك الاسلوب البليغ , وقد أفنى الدارسون أعمارهم في قراءة خطبه ومواعظه وكتبوا مجلدات في تفسيرها وتدبر معانيها  ولم يسبروا ذلك الغور من الحكم والمواعظ . أما الناظر لعبادته فيقول ان هذا الذي يقوم ليله بالصلاة ويقضي نهاره بالصوم لاقدرة له على فعل أي شئ آخر لحاجة بدنه الى النوم وحاجة جسمه للغذاء , وهي حالة تصيب كل انسان يقضي ليله ساهراً ونهاره صائماً لكن علي كان غير ذلك. أما الذي يقرأ عن مواقفه وبطولاته في ساحات الحروب فيقول أن هذا الرجل لابد أن يقضي كل وقته في التدريب على القتال والمبارزة والفروسية كي يصل الى تلك القوة والمهارة! ومن ينظر الى علاقته مع أهله وأصحابه وأولاده يقول أن هذا الاب الرؤوف ليس له الا حياة العائلة وتربية الاطفال والعناية بالاهل والزوجات .ومثل ذلك كان علي في القضاء والاحكام يُضرب به المثل في بته في قضايا القضاء المعقدة والاحكام , فكانت أحكامه من الاعاجيب التي يعجز عنها القضاة والحكماء , وكذلك كان في الجود والكرم والزهد في الدنيا .
إن النبي الكريم يلخص هذا التنوع الغني في شخصية الامام علي فيقول فيه : ( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى يحيى بن زكريا في زهده ، و إلى موسى بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب )( كتاب  الرياض النضرة للطبري) نعم أن الامام علي بن أبي طالب جمع كل ذلك وتفوق على الاولين والاخرين في كل باب  فكان يصوم يومه ويقضي ليله بالعبادة والتهجد , وغلب قومه بالفصاحة والبلاغة حتى شهد العرب له بذلك وهذا عدوه الاحمق معاوية بن هند يقول فيه : ( ما سَنَّ الفصاحة لقريش غيره) فتأمل. أما في الحروب فلم ينكس ولم يخرج للبراز الا وعاد منتصراً, كان يخرج للحرب لايلبس لامة ولايغطي وجهه ,حاسر الرأس يصول ويجول بين الفرسان المدججين بالسيوف والرماح ,والمدرعين بالدروع والخوذات فيعود منتصرا غالباُ فحاز لقب أسد الله الغالب علي بن أبي طالب ولم ينل ذلك اللقب غيره, وهو الذي يقول فيه الملاك جبريل عندما يرى استبساله دفاعا عن النبي الكريم في المعارك ( لافتى الا علي ولاسيف الا ذو الفقار) فنال لوحده ذلك الوسام الرباني الخالد.  لقد وصل الامام علي الى مرتبة اليقين الكامل فلو أتيحت له فرصة الحكم لكان حال البشر اليوم غير ما نراه من تقلبات وضيعات. إن عوام المسلمين وبقية الاقوام وأصحاب الاديان الاخرى من غير المسلمين لايعرفون فضائل هذا الرجل العظيم ولم يسبروا غور معرفته  ,وهم غير ملومين في ذلك لعدم وصول معرفة مناقب الامام إليهم , فمثلما شوه المسلمون اسم النبي محمد (ص) وحرفوا تعاليمه ( كما سيأتي في فصل تشويه شخصية النبي (ص)) فعلوا كذلك من بعده في وصيه علي .  ان سبب جهل أقوام البشر بحقيقة الاسلام وتعاليمه  يتحمله المسلمون أنفسهم الذين خانوا أمانة الرسول محمد بعد وفاته فأبعدوا عليا ثم حاربوه وقتلوا زوجته وأولاده, ثم سبوه على المنابر ( سيأتينا تشريع سب الامام علي  في فصل أمية , الملك معاوية ) لينشأ جيل من المسلمين لايعرف عن علي سوى أنه كان الخليفة الرابع للمسلمين وأنه لم يسجد لصنم في حياته وغيرها مما يدرسه الطلاب في صفوف دراستهم من تاريخ رتيب هيأته أقلام وعاظ سلاطين وكتبة بلاط. إن المسلمين المعاصرين الذين يسيرون على نهج الاوائل الذين حاربوا علياً يتحملون ذنوباً ثقيلة بالآثام والخطايا بسبب طمسهم حقيقة الامام علي بن أبي طالب , فليراجع الناس أنفسهم ويتحروا في تاريخ دينهم ويفتشوا عن جذور المؤامرة قبل فوات الاوان ,وقبل قدوم آجالهم ,وليتذكروا أنهم مسؤولون وسيُسئلون عما فعلوا وعما قالوا .

علي ميزان الحق بين الايمان والكفر
لم يترك النبي في علي شيئاً الا بينه للناس فهو يقول لعلي : (أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة ، من أحبك فقد أحبني ، وحبيبك حبيب الله ، وعدوك عدوي ، وعدوي عدو الله ، الويل لمن أبغضك بعدي) ( فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل , ج 2 ص 629)
ووردت عشرات الاحاديث مثل هذا وبألفاظ أخرى حتى تيقن الصحابة أن علياً هو الفصل بين النفاق والايمان . يقول  الصحابي المظلوم أبو ذر الغفاري في علي : (ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله ، إلا بثلاث ، بتكذيبهم الله ورسوله ، والتخلف عن الصلاة ، وبغضهم علي بن أبي طالب) (الرياض النضرة للمحب الطبري , ج2 ص 284). ويسأل أحد الناس الصحابي جابر بن عبد الله الانصاري عن علي فيقول ( :كيف كان علي فيكم ؟ قال : ذلك من خير البشر ، ما كنا نعرف المنافقين ، إلا ببغضهم إياه)( فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل ج2 ص 671). لقد بين النبي (ص) لعلي تلك الميزة والخصلة التي فيه فكان علي بن أبي طالب يفخر بذلك ويقول  :
( والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، إنه لعهد النبي الأمي  : لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق .) ( الرياض النضرة للطبري ج2 ,ص 284.) وورد مثل ذلك في أكثر من موضع في خطب الامام في نهج البلاغة)
أراد النبي أن يأصل هذه الخصلة في علي بن أبي طالب فكان يكرر ذلك  حتى يفقه الناس , فعندما بعث النبي (ص) علياُ الى اليمن خرج مع علي رجل من قبيلة أسلم يقال له عمر بن شلش فرجع وهو يذم عليا ويشكوه ، فبعث إليه رسول الله (ص) ، فقال : (إخسأ يا عمرو ، وهل رأيت من علي جورا في حكمه ، أو أثرا في قسمة ؟ قال : اللهم لا ، قال : فعلام تقول الذي بلغني ؟ قال : بغضه لا أملك ، قال : فغضب رسول الله ، حتى عرف ذلك في وجهه ، ثم قال : من أبغضه فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ، ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله )( مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص 123)
وقال النبي (ص) كذلك في علي : ( ياعلي, لولاك لما عُرف المؤمنون بعدي) ( المعجم الكبير للطبراني  ج6 ص 269, تاريخ دمشق لابن عساكر ج42 ص 41, الاستيعاب لابن عبد البر ج4 ص 307, أسد الغابة لابن الاثير ج6 ترجمة علي, وغيرها كثير)  وفي لفظ آخر : ( لولاك ماعُرف المنافقون من المؤمنين)( عن موسوعة الامام لمحمد الريشهري ج3 , وعن الخصال للصدوق ج1 ص 850)
لقد جعل النبي (ص) علياُ ميزانا بين الكفر والايمان, بل جعله قسيم النار والجنة فبحبه يدخل الناس جنتهم وببغضه ينالون سعير النيران ,فالويل لمن بغضه وحاربه وسبه على المنابر. ومن سفاهات العقول أن يقول قوم أن الذين حاربوا علياً لم يبغضوه إنما كانوا في فتنة ! ولاندري كيف يكونوا في فتنة وقد سمعوا أقوال النبي (ص) ووصاياه في علي .
 هذا غيض من فيض من سيرة أمير المؤمنين وفارس الموحدين, ولن تكفي الاوراق لعرض تلك السيرة, فقد ضاقت الكتب وعجزت الاقلام عن وصف تلك الشخصية الربانية , وتقزمت عمالقة الانسانية أمام المرتضى علي. علي حجة الله على خلقه , فمن عرفه حقاً لا يقبل الكفر والالحاد ولا يتيه في ضلال , فهذا الكمال الانساني الشامخ يتقزم بجانبه فلاسفة البشر ومفكريهم ولن يجرأ أحدهم إن عرفه حق معرفته أن ينكر وجود الله فكيف ينكره وعلي مؤمن به , ولن يجرأ أحدهم على باطل وعلي مقارع الباطل , ولن يجرأ أحدهم في سفسطاته وهو يرى بلاغة الامام وحكمه , ولن يجرأ شجعانهم وفرسانهم وأبطالهم على الوقوف بوجه هذا الشموخ الخالد. إنه حقاً حجة الله على خلقه.



مقتل الامام
هناك روايات كثيرة لم نأت بها للاختصار تؤكد معرفة الامام بأوان أغتياله بل كان يعلم  يعرف قاتله أيضا, فمثلما أنبأه النبي (ص) بالخطب والأحوال التي ستأتي أنبأه كذلك بكيفية موتته, ومنها أن لحيته ستتخضب بدماءه أثر طعنة في الرأس وعندها سيكون الخلاص من هذه الدنيا والرحيل نحو الخلود في الاخرة.  عند طعنه صاح الامام  : ( فزتُ ورب الكعبة) ! إنها صيحة استبشار بنيله الشهادة  وسكون لحياة حافلة في  جهاد لم يكل وصراع عجزت الاقلام عن وصفه. إن اليقين بالخلود في نعيم الاخرة هو يقين  لايناله إلا أصحاب الفوز العظيم  ولهذا نطق الامام  : ( فزت ورب الكعبة) ( الامامة والسياسة للدينوري ج1 ص180, أسد الغابة لابن الاثير ج4 ص 140 وغيرها من مصادر التاريخ التي ذكرت مقولته الخالدة). ذلك اليقين لم يعرفه الخلفاء الثلاثة الاوائل, فقد مر بنا ندم أبوبكر في نهاية أيامه ( راجع فصل ابوبكر   http://marwan1433.blogspot.ca/2013/07/4.html) وندم الخليفة الثاني عمر عند موته عندما تمنى أن يكون عذرة كبش (غائط) على أن يواجه ساعة حسابه ( راجع فصل عمر
 http://marwan1433.blogspot.ca/2013/07/5.html) , بينما الامام علي استقبل الموت بشجاعة وشوق ويقين بنعيم أبدي فكانت طعنته هي  الوسام الاخير قبل رحيله الى عالم الخلود.
وفيما يلي نتف من روايات في أيامه الاخيرة
( عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: قال لي الحسن بن علي: خرجت وأبي يصلي في المسجد، فقال لي: يا بني إني بت الليلة أوقظ أهلي، لأنها ليلة الجمعة صبيحة يوم بدر لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، فملكتني عيناي، فسنح لي رسول الله (ص)، فقلت: يا رسول الله؛ ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد فقال لي: ادع عليهم؛ فقلت: اللهم أبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي من هو شرٌ مني. قال الحسن رضي الله عنه: وجاء ابن أبي الساج، فآذنه بالصلاة؛ فخرج فخرجت خلفه، فاعتوره الرجلان، فأما أحدهما فوقعت ضربته في الطاق، وأما الآخر فأثبتها في رأسه. ) ( شرح نهج البلاغة, ج1 باب مقتل الامام, وعن مقاتل الطالبيين للأصفهاني , باب مقتل الامام علي. نهاية الارب للنويري).
والرواية بلفظ صاحب العقد الفريد كما يلي (فشكوت إليه ما أنا فيه من مخالفة أصحأبي ، وقلة رغبتهم في الجهاد ، فقال: أدع الله أن يريحك منهم ، فدعوت الله ).( العقد الفريد لابن عبد ربه ج3 ص 124)
طعن عليه السلام في ليلة القدر الاولى في التاسع عشر من رمضان وفارق الحياة ليلة القدر في الثالث والعشرين من رمضان بأتفاق المؤرخين , روي ابن الاثير :(لما دخل شهر رمضان جعل علي يتعشى ليلة عند الحسين وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله ابن جعفر لا يزيد على ثلاث لقم ويقول يأتي أمر الله وأنا خميص وإنما هي ليلة أو ليلتان)( أسد الغابة لابن الاثير ج4 ص127, السيرة الحلبية لبرهان الحلبي , باب غزوة العشيرة) . لقد كان الامام يتوقع ليلة مقتله فتأمل قوله ( إنما هي ليلة أوليلتان) , وتأمل قوله ( يأتي أمر الله وأنا خميص). والخميص في اللغة هو الذي أنطبقت أحشاء بطنه على ظهره من الجوع فكيف يقول المحرفون الكذابون أنه كان بطينا عظيم البطن كما مر بنا ؟ ويروي ابن الاثير وغيره أن الامام عندما خرج لصلاة الفجر في يوم أغتياله أستقبلته وزات أمام داره فصحن في وجهه فنَهرهن من كان معه ,فقال للناس : دعوهن فإنهم نوائح ! وهذا دليل آخر على معرفته بأن تلك الليلة هي ليلته الاخيرة كما أنبأه المصطفى محمد (ص).
(قال خرج علي لصلاة الفجر فاستقبله الأوز يصحن في وجهه قال فجعلنا نطردهن عنه فقال دعوهن فإنهن نوائح, وخرج فأصيب) ( اسد الغابة لابن الاثير ج4 ص127)
لقد كان الامام عظيما حتى آخر لحظة في حياته , فبعد طعنه وهو يعاني من وجع الطعنة أوصى أولاده بأن يعاملوا قاتله الملعون ابن ملجم معاملة طيبة , روى ابن الاثير:(وأخذ ابن ملجم فأدخل على علي فقال أطيبوا طعامه وألينوا فراشه فإن أعش فأنا ولي دمي ,عفو أو قصاص , وأن مت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين) ( اسد الغابة ج4 ص129)
وروى الخوارزمي وغيره: (عن عامر قال : لما ضرب علي تلك الضربة قال فما فعل ضاربي ، أطعموه من طعامي واسقوه من شرابي فان عشت فانا أولى بحقي ، وان مت فاضربوه ولا تزيدوه )( المناقب للخوارزمي الحنفي ص 389, مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا ص65 .)
وقال كذلك: ( قتل علي عليه السلام يوم الجمعة سنة أربعين ، وكان خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر ، قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي وهو يوم قتل ابن ثلاث وستين سنة أو أربع وستين سنة .) ( المناقب للخوارزمي ص 399)
أشار المؤرخون ان قاتله ابن ملجم كان من الخوارج الذي حاربهم الامام علي في موقعة النهروان, ونقول أن يد معاوية بن ابي سفيان لا تُفتقد من مؤامرة الاغتيال هذه فباع معاوية في الاغتيالات ودس السم باع كبير, وهناك روايات أتفق عليها المؤرخون تبين أن قاتله كان ينام في المسجد انتظارا لقدوم الامام لتنفيذ العملية, وكان جليسه الاشعث بن قيس الكندي  , والاشعث  كان سبب من أسباب وقف القتال مع معاوية كما تقدم في ذكر معركة صفين , فليس بعيدا ضلوعه في العملية بعلم صاحبه معاوية  الذي كان حينها في دمشق.
السلام على صاحب لواء الحمد  , قسيم النار والجنة , أول المسلمين , سيد الاوصياء والاولياء , السلام على أمير المؤمنين .



ملحق الفصل 
 
أبوطالب  المفترى عليه
روج الباغضون لعلي بن ابي طالب أن أبيه أبا طالب مات كافرا مشركاً, وألصقوا هذه النقيصة بعلي كما ألصقوها بالنبي محمد (ص). أبوطالب عم النبي (ص) ومربيه وكافله في طفولته وناصره في دعوته للاسلام , اولاده من اوائل المسلمين طالب وجعفر وعلي وعقيل, أما زوجته فاطمة بنت أسد فكان النبي (ص) يسميها ( أمي بعد أمي) وماتت رحمها الله مسلمة ودفنها النبي ونزل في قبرها وبكى عليها ,فإذا كان أبوطالب كافرا كما زعم المحرفون فكيف ظلت زوجته المسلمة فاطمة بنت أسد في ذمته وبقيت زوجته ولم يفرقهما الدين؟ لأن المتفق عليه أن الكفر يفرق المرء عن زوجه المسلم وبالعكس , لكن فاطمة ظلت في عصمة أبي طالب حتى يوم وفاتها, وهذا برهان على اسلام ابوطالب.
يقول علي بن الحسين السجاد في جده الاكبر أبو طالب عندما سأله أحد الناس عن أيمان أبي طالب- ونذكر القارئ أن عليا بن الحسين عاصر يزيد بن معاوية  أي عندما نشأت نظرية كفر أبو طالب وتشبعت بها عقول الناس -لذلك يأتي من يسأله عن تلك المسألة. فيقول علي بن الحسين : (واعجبا ! إن الله تعالى نهى رسوله أن يقر مسلمة على نكاح كافر و قد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام و لم تزل تحت ابي طالب حتى مات )(  شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد).
لأبي طالب أشعار كثيرة رواها كتاب السيرة والتاريخ  عند الجمهور كابن اسحاق والطبري وابن الاثير واليعقوبي , يضئ في تلك الاشعار أيمان أبوطالب ويمكن لدارس الادب أن يرى أن كاتبها وقائلها هو رجل واحد من اسلوبها الجزل السهل الممتنع, لنقرأ بعض تلك الابيات :
تعلم مليك الحبش أن محمدا نبي كموسى والمسيح بن مريم
أتى بهدى مثل الذي أتيا به فكل بأمر الله يهدي ويعصم
وإنكم تتلونه في كتابكم بصدق حديث لا حديث المبرجم
وإنك ما تأتيك منا عصابة بفضلك إلا عاودوا بالتكرم (اشعار ابو طالب في  مستدرك الحاكم ج2)
وله شعر يذكر فيه ابنه الحبيب جعفر في غربته بالحبشة, ويذكر عمرو بن العاص أمير وفد مشركي قريش الى النجاشي ملك الحبشة, نذكر مطلعها.
الا ليت شعري كيف في النأي  جعفر
وعمرو وأعداء النبي الأقارب (ديوان أبو طالب) .تأمل تصريحه بكلمة نبي في ابن أخيه محمد (ص)
وله قصيدة يفاخر بولديه علي وجعفر قالها عندما رأي النبي (ص) يصلي وعلي يصلي وراءه, فقال لابنه الاخر جعفر : يابني صل جناح بن عمك.  فصلى جعفر بجانب علي وتذكر الروايات أن تلك كانت أول صلاة جماعة يصليها المسلمون .
إن عليا وجعفرا ثقتي عند ملم الخطوب والكرب
والله لا أخذل النبي ولا يخذله من بني ذو حسب( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد, ايمان أبو طالب للمفيد, أسد الغابة ابن الاثير ج1 ص 542)
وعندما طالبت قريش من أبي طالب ردع النبي عن دعوته أو تسليم النبي لقريش للقضاء على الدين الجديد, قال أبوطالب
وظلم نبي جاء يدعو الى الهدى  وأمر أتى من عند ذي العرش قيم
فلا تحسبونا مسلميه ومثله  إذا كان في قوم فليس بمسلم( أبو طالب للأميني, وعن شرح النهج لابن أبي الحديد ج3)
لقد كانت أشعار أباطالب تعبر عن واقع الدعوة الاسلامية  ومعاناة المسلمين من بطش قريش وآذاهم , فيقول في قصيدة له مواسياً أخيه  حمزة عندما أعلن أسلامه في وجه قريش:
 فصبرا أبا يعلى على دين أحمد  وكن مظهرا للدين وفقت صابرا
نبي أتى بالحق من عند ربه  بصدق وعزم لا تكن حمزة كافرا
فقد سرني إذ قلت  لبيك  مؤمنا  فكن لرسول الله في الدين ناصرا
وناد قريشا بالذي قد أتيته  جهارا وقل : ما كان أحمد ساحرا (ديوان أبوطالب في مصادر التاريخ)
كان  عبد المطلب جد النبي (ص)  يحرم الزنا و يمنع زواج المحارم و لم يستقسم بالازلام و حرم ما يذبح الناس على النصب , كما حرم الخمر على نفسه , يقري الضيف ويفي بالنذور, موحدا بالله حتى كانت قريش تسمي عبد المطلب بإبراهيم الثاني ويعنون بذلك النبي ابراهيم (ص)  .( بتصرف عن تاريخ اليعقوبي الجزء الثاني صفحة 9) فلا عجب أن يكون ابنه أبوطالب على نهج ابيه في الاستقامة والايمان.
قال الاميني ( أخرج ابن سعد عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب  قال: (أخبرت رسول الله (ص) بموت أبي طالب فبكى ثم قال: إذهب فاغسله وكفنه وواره، غفر الله له ورحمه.)(  كتاب الغدير للعلامة الاميني الجزء السابع, طبقات الصحابة لابن سعد  ج1 ص 105).
 وعين الاميني رحمه الله مصادر اخرى للرواية أعلاه فقال:   وفي لفظ الواقدي: فبكى بكاء شديداً ثم قال: إذهب فاغسله... وأخرجه ابن عساكر كما في أسنى المطالب, والبيهقي في دلائل النبوة. وذكره سبط ابن الجوزي في التذكره, وابن أبي الحديد في شرحه ج3 ص314  والحلبي في السيرة ج 1ص373, والسيد زيني دحلان في السيرة هامش الحلبية ج1ص90, والبرزنجي في نجاة أبي طالب وصححه كما في أسنى المطالب وقال: أخرجه أيضاً أبوداود وابن الجاوود وابن خزيمة وقال: إنما ترك النبي(ص)المشئ في جنازته اتقاء من شر سفهاء قريش، وعدم صلاته لعدم مشروعية صلاة الجنازة يومئذ. وقد روى الخطيب البغدادي في تاريخه ج13 ص196 عن ابن عباس ترحم النبي (ص) واستغفاره لابي طالب بعد موته، وكذا الذهبي في تاريخ الإسلام:ج1 ص325، وروت مصادرنا أحاديث كثيرة في ذلك كما في مناقب آل أبي طالب, وبحار الانوار)( عن كتاب الغدير للعلامة الاميني )
  هذه النصوص دلائل كافية على أسلام أبوطالب؟ لكن المحرفين أبوا إلا أن يجعلوا والد الامام علي من المشركين, فزعموا أن النبي (ص) قال في كفره حديثا وسموا ذلك بحديث الضحضاح! فما هو حديث الضحضاح هذا؟
 (عن أبي سعيد الخدري، أنه سمع النبي (ص)، وقد ذكر عنده عمه، فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار، يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه!
وفي نص آخر: أن العباس قال للنبي: ما أغنيت عن عمك؟!، فوالله، كان يحوطك ويغضب لك قال النبي : هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) ( ذكره بخاري في كتابه صحيح البخاري وكذلك ذَكر الحديث في صحيح مسلم)
الضحضاح في اللغة يعني بُركة من الماء صغيرة ضحلة مستوى ماءها يصل الى  الكعبين , وأُستعير التعبير للنار بدلا من الماء. وهكذا وفقا لهذا الحديث تم وضع أباطالب في جهنم في قسم الاحكام الخفيفة , فقد قسم المتآمرون جهنمهم إلى اقسام ثقيلة وخفيقة ,وشر البلية مايضحك.
في الحالتين العذاب لايُطاق , الاولى في الدرك الاسفل من النار أما الثانية وهي في الضحضاح فان المُعذَّبْ يغلي دماغه ! ولاندري ماهو الفرق بين الحالتين؟
إن قول النبي في هذا الحديث (.... ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) يعني أنه بفضل النبوة ومقامها عند الله  أستطاع النبي  أن يخرج عمه من أسفل جهنم الى عذاب أخف وهو أن يغلي منه دماغه! ياللعجب أذا كان النبي يملك تلك الصلاحية فماله لم يخرجه تماما من النار وينهي عذابه؟ ألم يقل النبي يوما كما يروي لنا بخاري في كتابه (صحيح البخاري, في باب كتاب الادب وفضل من يعول يتيما) يقول النبي محمد (ص): : (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا كهاتين ، وقال بإصبعيه السبّابة والوسطى .) أي أشار بإصبعيه المضمومتين. ويعني بذلك أنه وكافل اليتيم معاً في جنة الخلد. فكيف بمن يكفل يتيما وذلك اليتيم خاتم الانبياء وسيد الخلائق , فأبو طالب كفل النبي اليتيم , حتى كانت قريش تسمي النبي يتيم أبي طالب , أفلا يرد النبي جميل عمه ويخرجه من النار تماماً؟ ووفق حديث اليتيم هذا يصبح أبوطالب كافل لليتيم في جنة الخلد, فإما نقبل بحديث الضحضاح لنلغي حديث اليتيم أو بالعكس أما قبولنا بكلاهما فهو مستحيل.
 لقد اراد الذين وضعوا حديث الضحضاح ضرب عصفورين بحجر, الاول أن يبقى ابوطالب في جهنم ودماغه يغلي , والثاني  لاظهار عجز النبي وضعفه في الشفاعة. وليس عجباً فمعاوية الذي يطلق على محمد كنية الجاهلية التي كانت قريش تسميه بها -وهي (أبوكبشة) وسيأتي ذكرها في فصل أمية-,  سهل عليه أن يحط من قدر النبي, ويترك عم النبي سجيناً في ضحضاح النار الى الابد!
لقد رُدَّ حديث الضحضاح نقلاً,  أي ان المحققين استطاعوا أن يظهروا كذب الحديث من رواته ومن أراد تفصيل ذلك فعليه بكتاب أيمان أبو طالب وسيرته في كتاب الغدير للعلامة الاميني. ذكر الاميني رحمه الله ايات كثيرة من القران تثبت أن العذاب لايخفف عن الكافر, فكيف نوفق بين تلك الايات وحديث الضحضاح الذي فيه يخفف العذاب على أبي طالب وينال أهون عذاب وهو غليان الدماغ. يقول العلامة الاميني أن مخالفة الايات للحديث يبين لنا بطلان وتهافت الحديث وهذه بعضاً من الايات الكريمة التي استدل بها :
(والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور)( فاطر3)
 (واذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون) (النحل 58.
 (خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) (البقرة: 162، آل عمران88)
 (وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أولم تكنتأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين الا في ضلال) (غافر49)
 (أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالاخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون) (البقرة86)
 نرى من خلال الايات أعلاه أن الشفاعة لاتشمل الذين حق عليهم العذاب, كما أن الايات تبين أن العذاب لايخفف فكيف يصبح الكافر من عذاب الى عذاب أقل, وهل هناك عذاب أهون من عذاب اذا كان العذاب عذاب الحريق وفيه يغلي الدماغ غلياً ؟
يتحفنا كتاب بخاري بحديث نبوي اخر وفيه ينال أبوطالب وسام أمويٌ  يؤهله لدخول جهنم يقول الحديث:
(عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاء رسول الله فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة ، قال رسول الله لأبي طالب : يا عم ! قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله, فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملّة عبدالمطلب! فلم يزل رسول الله يعرضها عليه ويعودانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملّة عبدالمطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله.) ( البخاري كتاب الجنـائز باب إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلا الله).
يردًّ هذا الحديث آيات القران التي تبين لنا أن التوبة غير مقبولة والانسان في نفسه الاخير حيث تقول الاية :( وليست التوبـة للذين يعملون السيئـات حتى إذا حَضَـرَ أحدهـم الموت قـال إني تُبت الآن ) (النساء18)
وكذلك في قصة فرعون حيث تقول الاية ( حتى إذا أدْركه الغَرَق قال آمنت أنّه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ) (يونس 90) . ومن المتفق عليه أن فرعون مات كافرا مخلدا في النار , فلم تسعفه التوبة وهو في ساعته الاخيرة يجاهد الغرق فمات كافرا على الرغم من قوله أني امنت أنه لا اله الا الله ....وهو مفهوم يبينه القران فليس للمحتضر أو للذي على وشك الموت من توبة ولن يجديه مايقول فقد فاتت الفرص وانقطع الامل.
 اذن كيف يطلب النبي من عمه التوبة وهو على فراش الموت يحتضر ؟ ألا يعلم النبي أن الانسان في ساعة أحتضاره لن تنفعه التوبة, لقد صنع المتآمرون من كلام النبي (ص) كلاما باطلا لامعنى له.
لم يكتف المحرفون بأحاديث النبي فقط, بل سلطوا اقلامهم والسنتهم على ايات القران وفسروها وفقا لاهوائهم ووفقا لغايات الحكام , ففسر بعضهم الاية الاتية من سورة براءة وزعموا أنها في أبي طالب : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يَستغفروا للمُشركين ولو كـانوا أُولي قُربى من بعد ما تبيّن لهم أنهم أصحاب الجحيم ) (براءة 113.)
يبين العلامة الاميني ويثبت  أن الاية نزلت في المدينة (يثرب) بعد موت أبي طالب بثمان سنين,  ومعناها أن استغفار النبي لعمه خلال السنين الثمانية كان هراءاومضيعة للوقت , وهكذا يكشف القران باطلا اخر وضعه المدلسون في حق أبو طالب. ومن المعلوم أن مولاة الكفار والمشركين ممنوعة على المسلمين فكيف  يحق الاستغفار لهم؟  وإذا كان أبو طالب مات مشركا كافراً فكيف يضيع النبي وقته بالاستغفار له؟ ويبكي عليه وينزل في قبره, وتبقى زوجته المسلمة فاطمة بنت أسد في عصمته حتى وفاتها؟ ودلائل كثيرة لم نأت بها للاختصار تثبت أيمان أبوطالب ووقوفه بجانب ابن أخيه النبي (ص) إلى آخر يوم في حياته حتى وفاته في حصار قريش للمسلمين في مكة.  

بقلم الفقير مروان العارف...

انتهى فصل الامام علي ويليه فصل ( أمية... دولة الطلقاء)
http://marwan1433.blogspot.ca/2013/08/8.html 


ليست هناك تعليقات: